إيطاليا شريك استراتيجي وسط بيئة معقدة
تُعد إيطاليا أكبر شريك أوروبي لليبيا، خصوصاً في مجالات النفط والغاز، حيث تلعب شركة إيني” دوراً بارزاً في السوق الليبي. كما تعكس العلاقات تعاوناً أمنياً واضحاً في مواجهة تحدي الهجرة غير النظامية، الذي يضغط على روما، لا سيما تحت حكومة جورجيا ميلوني التي تضع هذه القضية على رأس أولوياتها.
ومع ذلك، تواجه إيطاليا بيئة ليبية معقدة ومقسمة، إذ تعاني البلاد من انقسام سياسي عميق، يضعف قدرة الحكومات الليبية المتعاقبة على تمثيل ليبيا بشكل موحد وفعّال، مما يعقّد التعامل مع الشريك الأوروبي.
اتفاقيات تاريخية تلزم بالالتزام والسيادة
شهدت العلاقات بين البلدين طفرة مهمة بتوقيع اتفاقية الصداقة عام 2008، التي تضمنت اعتذاراً إيطالياً رسمياً عن الحقبة الاستعمارية، وتعويضات مالية بلغت 5 مليارات دولار، إضافة إلى مشاريع بنى تحتية هامة مثل الطريق الساحلي.
وفي ظل التطورات الراهنة، تبرز ضرورة الحفاظ على هذه الاتفاقيات والتمسك بها كضمان للحقوق السيادية، وحماية للمصالح الوطنية الليبية من أي تجاوزات أو اتفاقات عابرة قد تنتقص من مكانة ليبيا.
القيادة العامة للجيش الليبي: طرف فاعل وحاسم
يأتي في مقدمة الجهات الفاعلة في المشهد الليبي القيادة العامة للجيش الليبي، التي تسيطر على نحو 80% من مساحة البلاد، وتضم معظم مصادر النفط والغاز، إضافة إلى تأمين الحدود الجنوبية مع دول الجوار الأفريقي.
القيادة العامة لعبت دوراً رئيسياً في مكافحة الإرهاب والتصدي للهجرة غير النظامية، ما دفع إيطاليا إلى إعادة تقييم علاقاتها معها. شهدت الفترة الماضية زيارات متبادلة رفيعة المستوى، منها زيارة المشير خليفة حفتر إلى روما، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى بنغازي، مما يؤكد أهمية هذه العلاقة في الحفاظ على الاستقرار ومصالح الطرفين.
تركيا تعيد رسم خريطتها
بدأت تركيا، التي دعمت سابقاً أطرافًا معينة في ليبيا، في توسيع قنوات التواصل مع القيادة العامة، مدركة أن أي حل سياسي أو اقتصادي لا يمكن أن يتجاهل القوة المسيطرة على الأرض والمصادر الحيوية.
اجتماع إسطنبول الثلاثي
انعقد اجتماع إسطنبول الذي جمع وزراء خارجية تركيا وإيطاليا وحكومة الوحدة الوطنية الليبية، في محاولة لتعزيز التنسيق في ملفات الطاقة والاستقرار والهجرة.
يأتي هذا الاجتماع في ظل واقع ليبي معقد، يشهد انقسامات داخلية تجعل من الصعب إيجاد شريك موحد يمكنه تمثيل ليبيا بشكل متكامل، ما يبرز أهمية الأطراف الفاعلة كـ القيادة العامة في كل ترتيبات السلام والاستقرار.
نحو مصلحة ليبية حقيقية
يبقى المشهد الليبي مرهوناً بتوافق داخلي قادر على استعادة القرار السيادي الوطني، والتنسيق بين جميع الأطراف السياسية والعسكرية لتشكيل مؤسسات تمثل الشعب الليبي بأكمله.
ولا يمكن تحقيق ذلك دون التمسك بالاتفاقيات الدولية والسيادية الموقعة باسم ليبيا، للحفاظ على مصالح البلاد وحماية حقوقها من أي انتهاك أو استغلال.
في غياب هذا التوافق، ستظل ليبيا ساحة لتنافس دولي وإقليمي على حساب مصالحها الحقيقية ومستقبل شعبها.
التوازن الإقليمي والدولي في ليبيا: تساؤلات حول الأطراف الفاعلة
في ظل محاولات تركيا وإيطاليا الاستفراد بالملف الليبي، يبقى السؤال مطروحاً: هل ستقف دول كبرى مثل فرنسا، ومصر، وروسيا عن متابعة مصالحها في ليبيا؟ الواقع يشير إلى أن هذه القوى الإقليمية والدولية لن تتخلى بسهولة عن نفوذها ومصالحها الاستراتيجية في بلد غني بالثروات ومهم جيوسياسياً.
لذلك، تبقى ليبيا ملعباً لتنافس دولي متشابك، حيث تتقاطع وتتعارض مصالح العديد من اللاعبين، مما يزيد من تعقيد المشهد ويؤكد على ضرورة توافق ليبي داخلي يضمن حماية السيادة ويُبعد ليبيا عن الصراعات الخارجية.
* بقلم إدريس أحميد- صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي
حفتر ورئيس المخابرات المصرية يبحثان تطورات الأزمة الليبية
