أثار تبادل للتصريحات بين عماد الطرابلسي، وزير الداخلية المؤقت في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، وسيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، أسئلة كثيرة حول العلاقات السياسية في الغرب الليبي والتحديات السياسية في ليبيا.
وتشير هذه المسألة إلى أن قضية القذافي تلعب دوراً حيوياً في المشهد السياسي الليبي، وتطرح تساؤلات حول الدوافع وراء تصريحات الطرابلسي، وذلك وسط هشاشة البنية السياسية في غرب ليبيا، وعدم قدرة حكومة طرابلس على اكتساب ثقة النخب السياسية فيها.
وتدور التكهنات على أن الطرابلسي يحاول كسب ود سيف الإسلام أو مؤيديه، في محاولة لدعم التحالفات السياسية مع الحكومة، ومواجهة فقدان الفعالية السياسية عبر طرح مسارات جديدة حتى ولو كانت مع نجل القذافي، سيف الإسلام، بكل ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر استعداء فئات سياسية، أو حتى بعض المجموعات المسلحة في طرابلس ومحيطها.
بالتأكيد فإن تصريحات الطرابلسي الإيجابية تجاه سيف الإسلام ليست خطوة استراتيجية تملك عمقها الخاص في التوجهات الخاصة بحكومة طرابلس، إنما تُعبر عن اتجاه للتواصل مع الموالين للقذافي لتحريك الحياة السياسية في ظل عدم القدرة على خلق مساحات جديدة يمكنها أن تخلق مصالحة ليبية حقيقية.
وتحاول حكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية الولاية إعادة سيف الإسلام القذافي إلى واجهة المشهد الليبي، وسواء كان هذا الأمر مقصود بشكل مباشر، أو نتيجة لتداعيات سياسية عامة، لكنه بالتأكيد سيؤدي لتأثيرات مختلفة في البنية السياسية الليبية.
تبادل التصريحات
تتمحور تصريحات الطرابلسي عن ممتلكات لعائلة القذافي، وإعادتها إلى ورثته بما فيهم أشقاء سيف الإسلام، المعتصم وعائشة القذافي، في المقابل، أعرب سيف الإسلام عن امتنانه للمبادرة الرامية إلى استعادة الحقوق لأصحابها.
واعتبر القذافي أن هذا الأمر سيلقى ردود فعل إيجابية لدى العديد من الليبيين الذين واجهوا مصادرة ممتلكاتهم مع الصعوبات الاقتصادية، وذهب سيف الإسلام أبعد من ذلك، فأشار إلى أن حقوقه الشخصية ترتبط جوهرياً باستعادة الكرامة الوطنية والسيادة والسلام في ليبيا، فنقل الأمر من مسألة حقوقية إلى الساحة السياسية.
واستقبل سيف الإسلام تصريحات الطرابلسي بشكل مختلف عما هو متوقع، وتعامل معها كفرصة سياسية، فأكد أنه لا يملك ثروة شخصية أو ممتلكات، سواء في ليبيا أو في الخارج، وتحدى الشائعات التي تصوره كشخص ثري يحتفظ بأصوله.
ووضع نجل القذافي عبر رده على تصريحات الطرابلسي ضمن صورة خاصة لزعيم متواضع يركز على القضية الوطنية الأوسع بدلاً من المكاسب الشخصية، فتأكيداته على أن استعادة الحقوق في ليبيا يجب أن تعطى الأولوية على مسائل استعادة الممتلكات، بدت محاولة جادة لوضع القيم الأخلاقية والوطنية الأعمق في واجهة العمل السياسي.
دوافع تصريحات الطرابلسي
يصعب تحديد دافع محدد لتصريحات الطرابلسي، فهو كان يعبر عن مناخ عام لا يتعلق بالضرورة بالتوجهات السياسية لحكومة الدبيبة، فما قاله يحمل معه تفسيرات متعددة يمكن قراءتها بالنقاط التالية:
- تحتاج البيئة السياسية في طرابلس الحصول على دعم من الموالين للقذافي، وذلك في ظل غياب رمز سياسي جامع وتشتت الشارع السياسي لحساب المجموعات المسلحة التي تؤثر أكثر من أي حركة سياسية في طرابلس.
وكما يمكن اعتبار التطرق إلى قضية حساسة تتعلق بحقوق الملكية، محاولة من الطرابلسي للإشارة إلى استعداده للمصالحة مع الفصائل الموالية لنظام القذافي، وهي خطوة توسع قاعدة دعمه السياسي في المشهد السياسي الليبي المتشظي.
- من جانب آخر يمكن النظر إلى تصريحات الطرابلسي على أنها محاولة للتواصل المباشر مع سيف الإسلام القذافي الذي يحمل اسمه تأثراً بين بعض شرائح الشعب الليبي، فهو كسر القاعدة السياسية بقطع العلاقة مع المرحلة السابقة، وأنهى حالة العداء المطلق مع النظام السياسي السابق.
والمسألة هنا لا ترتبط بتحالف سياسي إنما على الأقل إنهاء العداء مع شخصية مثل سيف الإسلام يمكن أن تلعب في المستقبل دوراً في الحياة السياسية الليبية، وتقديم مبادرات علنية نحو استعادة ممتلكات عائلة القذافي، تشكل اختباراً من الطرابلسي لردود الفعل من سيف الإسلام ومؤيديه.
- تدخل تصريحات الطرابلسي أيضاً كجزء من محاولة أوسع للتنقل في المشهد السياسي المعقد لليبيا، وذلك عبر التعامل مع قضية ممتلكات عائلة القذافي، حيث يحاول الطرابلسي وضع نفسه كوسيط، وشخص قادر على جبر الانقسامات داخل المجتمع الليبي، وهذا النهج يساعد ولو بحدود في تمهيد الطريق لجهود مصالحة أوسع، تجمع بين الفصائل المختلفة في محاولة لاستقرار البلاد.
وبالتأكيد فإن تصريحات الطرابلسي ولو عن غير قصد أثارت النقاش العام وجذبت الانتباه إلى قضية العدالة والمصالحة في ليبيا ما بعد الثورة، ومن هذا الجانب فإنها خطوة محسوبة لتوجيه النقاش العام واستكشاف ردود الفعل من مختلف الفصائل داخل البلاد.
تصريحات الطرابلسي وموقف سيف الإسلام القذافي
بغض النظر عن نوايا الطرابلسي فإن تصريحاته قدمت منصة لسيف الإسلام لإعادة الدخول في الحياة العامة، وذكر الليبيين بوجود شخصية تحمل رمزية بالنسبة لليبيين وباحتمال قيامه بدور في مستقبل البلاد.
ووضعت تصريحات الطرابلسي سيف الإسلام في موقف دفعه للرد، ولوضع نفسه في موقع الشخصية التي تملك نزاهة أخلاقية وتحمل معها سعياً للوحدة الوطنية، وابتعد عن الصورة النمطية كعضو فاسد من النظام السابق.
كما سلطت التصريحات المتبادلة الضوء على التأثير الدائم لإرث القذافي في السياسة الليبية، فعلى الرغم من الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011 والاضطرابات المدنية اللاحقة، إلا أن اسم القذافي لا يزال يحمل تأثيراً يشعر العديد من الليبيين، الذين خاب أملهم من الفوضى التي أعقبت الثورة والتدهور الاقتصادي، بالحنين إلى عهد القذافي كفترة من الاستقرار والازدهار، وهذا الحنين يخلق أرضاً خصبة لسيف الإسلام لكسب الدعم، خاصة بين الذين يشعرون بالتهميش من النظام السياسي الحالي.
من جانب آخر فإن تبادل التصريحات بين الطرابلسي وسيف الإسلام ينقل جانباً من الصراع المستمر على السلطة والشرعية في ليبيا، فمنذ سقوط معمر القذافي تعاني ليبيا من الانقسام بين حكومة الوحدة الوطنية المتنهية الولاية في الغرب، والقوات المسلحة العربية بقيادة خليفة حفتر في الشرق، وضمن هذا السياق، يستمر إرث نظام القذافي في لعب دور، مع تبني أو رفض الفصائل المختلفة له كجزء من هويتها السياسية.
إن تصريحات الطرابلسي ليست خالية من المخاطر، فالتعامل مع إرث القذافي هو سيف ذو حدين، فهو بالتأكيد يجذب الدعم من بعض الجهات، إلا أنه سيدفع البعض لاستنكار هذه الخطوة، خاصة أولئك الذين يرون نظام القذافي كرمز للقمع والفساد، إضافة إلى تناقض مصالح بعض الدول مع وجوده كالولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية، لذلك سيكون للمجتمع الدولي، الذي له مصلحة في التأثير على المشهد الليبي، تحفظات حول إعادة ظهور شخصيات من عهد القذافي.
بينما تستمر ليبيا في مواجهة الانقسام وعدم الاستقرار، يظل إرث الماضي قوة فاعلة تشكل مستقبلها، وإعادة ظهور شخصيات مثل سيف الإسلام القذافي، مصحوبة بالتحركات الاستراتيجية للسياسيين مثل الطرابلسي، تشير إلى أن قضية القذافي لم تُحسم بعد، إنها تذكير بأنه في العالم المعقد للسياسة الليبية، لم يكن الماضي حالة غائبة، وظلال عهد القذافي لا تزال تخيم بشدة على مستقبل الأمة.
بقلم نضال الخضري
اختطاف مهاجر في ليبيا وإرسال مقاطع تعذيبه لوالدته