26 أبريل 2025

أعادت تصريحات رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، في القاهرة لإنهاء الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مسألة الشرعية في ليبيا إلى واجهة الحدث، فيما وصفت حكومة الدبيبة التصريحات بأنها “جهوية” و”مفرقة”.

تصريحات صالح جاءت خلال اجتماع لقادة البرلمان في القاهرة، مؤكداً فيها أن حكومة طرابلس تجاوزت ولايتها وتفتقر إلى الشرعية، وحث الدول العربية والجهات الفاعلة الدولية على وقف التعامل مع إدارة الدبيبة، وبين أن مجلس النواب وحده هو الذي يمتلك السلطة الشرعية، حيث انتخبه الشعب الليبي في 2014 ويظل المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية الانتخابية بموجب القانون الليبي.

عمليا تم اختيار حكومة الدبيبة من قبل 72 عضوا في منتدى الحوار السياسي الليبي، وجاء كجزء من ترتيب مؤقت بوساطة الأمم المتحدة في 5 فبراير 2021، كانت الفترة المقررة لولايته حتى 24 ديسمبر 2021، وهو الموعد الذي كان محدداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفقاً لخريطة الطريق التي أقرها منتدى الحوار السياسي الليبي (LPDF)، والذي رعته الأمم المتحدة.

ولم تتحقق الانتخابات بعد، وانتهت ولاية حكومة الدبيبة منذ فترة طويلة، وهذا يترك سؤالاً مهماً: أي هيئة حاكمة تحتفظ بالحق في الحكم؟

مجلس النواب والشرعية

يعتمد مجلس النواب على مسألة “الانتخاب” لتأكيد شرعيته، وذلك في مواجهة “التعيين المؤقت” بالنسبة للحكومة، ووفق كافة القواعد الحقوقية يتمتع بالشرعية الدستورية حتى انتخاب برلمان جديد، وعزز صالح هذا الأمر من خلال التأكيد على أن حكومة الوحدة الوطنية لم تُمنح تفويضا مباشرا من الشعب الليبي، في حين أن مجلس النواب لا يزال يمثل صوتهم، وعلاوة على ذلك، تسيطر الحكومة المدعومة من مجلس النواب بقيادة أسامة حماد على ما يقرب من 85% من أراضي ليبيا، وخاصة في المناطق الشرقية والجنوبية، مما يضيف ثقلا إلى مطالبها بالحكم الفعال.

في المقابل فإن إدارة الدبيبة تعتبر أن جميع المؤسسات السياسية في ليبيا، بما في ذلك مجلس النواب، تجاوزت فتراتها الدستورية، وتتهم عقيلة صالح باحتكار القرارات البرلمانية وعرقلة الانتخابات بفرض قوانين انتخابية معيبة، وتتهم حكومة الدبيبة مطالب صالح بتشكيل حكومة جديدة بأنها لا تخدم إلا إطالة أمد التفتت السياسي وتقويض الوحدة الوطنية، كما اتهمت مجلس النواب بتفاقم الانقسامات في البلاد من خلال الفشل في دعم عملية سياسية موحدة.

دور الانتخابات والعملية الديمقراطية المتوقفة

العملية الانتخابية في ليبيا تظل متوقفة، وهي تمثل نقطة خلاف رئيسية تتجاوز المسائل الانتخابية إلى تعقيدات تحالفات حكومة طرابلس مع جهات دولية مختلفة، أما مجلس النواب، الذي يتمتع بشرعية دستورية، يواجه تحديات من حكومة الدبيبة التي عرقلت العملية الانتخابية لتوسيع نطاق سلطتها، وهي تدعي أن مجلس النواب ساهم في تأخير الانتخابات بسبب القوانين الانتخابية التي أقرها، مما يستلزم تقييماً دقيقاً للمشهد السياسي في الغرب الليبي الذي تهيمن عليه تحالفات الميليشيات مع أعضاء الحكومة.

مجلس النواب أصر على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً، وهو ما يُعتبر إجراءً يمكن التعامل معه وفقاً للظروف القائمة والحوار السياسي الجاري، بينما تزعم حكومة الوحدة الوطنية أن مجلس النواب طلب رسميا من المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تعليق العملية الانتخابية لعام 2021، وهو قرار يعود إلى النزاعات القضائية حول أهلية المرشحين، ما يعكس التعقيدات السياسية والاضطرابات التي تسببها الميليشيات في الغرب الليبي.

البعد الدولي

دوليا هناك انقسام بشأن الأزمة السياسية في ليبيا، ولا تزال بعض الجهات الفاعلة الأجنبية تعترف بحكومة طرابلس باعتبارها السلطة الشرعية في ليبيا، في حين حولت جهات أخرى دعمها نحو مجلس النواب وحكومة حماد، ونداء عقيلة صالح للدول العربية في القاهرة هو خطوة استراتيجية لحشد الدعم الإقليمي بشأن الانتخابات، ووضع مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية الشرعية في ليبيا.

عمليا تدعو الأمم المتحدة والدول الغربية إلى حل تفاوضي من شأنه أن يؤدي إلى انتخابات وطنية، ولكن التحالفات التي تحكم حكومة طرابلس، وعدم قدرة المبادرات الدولية في فهم عمق المسألة الليبية أفشلت الجهود المبذولة، ولم تستطع كافة المحاولات في حل نقاط الخلاف الرئيسية في مسألة تشكيل حكومة جديدة قبل إجراء الانتخابات، لأنها ستكون الوحيدة القادرة في الإشراف على عملية انتخابية عادلة، ورفض الدبيبة أي محاولات لاستبدال إدارته مؤشر يحمل بعدين:

  • الأول هو الإصرار على التحكم بمفاصل السياسة الليبية بشكل يضمن له الاستمرار في السلطة أطول فترة ممكنة.
  • والثاني الحفاظ على توازن المصالح الغربية التي تضمن له الاستمرار وقوة الفصائل التي تدعمه في مواجهة حالة الاستقرار في الشرق الليبي المستند إلى شرعية مجلس النواب.

هذا الأمر يديم الجمود السياسي في ليبيا، ويمنع أي تقدم ذي مغزى نحو الاستقرار، والمواجهات الأخيرة بين حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب تؤكد الانقسامات العميقة الجذور في المجال السياسي الليبي، وأعادت تصريحات صالح في القاهرة مسألة الشرعية، وهو ما يتطلب مسارا ليبيا جديدا نحو الاستقرار وحلاً نهائيا لأزمة الشرعية من خلال الانتخابات الفورية مع حكومة توافقية جديدة، وبدون خريطة طريق واضحة للانتخابات، تخاطر البلاد بالبقاء محاصرة في حلقة مفرغة من الصراع السياسي والانقسام.

بقلم مازن بلال

اقرأ المزيد