20 سبتمبر 2024

تأثرت شبكة العلاقات الدولية المعقدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالديناميكيات المتطورة بين مصر وروسيا، ولم تشكل علاقاتهما الثنائية مصالحهما الوطنية فحسب، بل لها آثار عميقة على الأزمة المستمرة في ليبيا.

وسلطت زيارة وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبدالعاطي، إلى موسكو  الضوء على مساحة سياسية خاصة لا ترتبط فقط بالتوافق بين البلدين في المواقف من الحرب القائمة في غزة، بل أيضا لطبيعة الأمن الإقليمي في شمال إفريقيا.

وتعد مصر اليوم محاصرة بثلاث أزمات أساسية: في ليبيا التي تعاني انقساما سياسيا حادا، خصوصا بعض الاضطرابات في علاقة القاهرة مع الحكومة في طرابلس، وفي حدود مصر الجنوبية تشهد السودان حربا قاسية؛ دفعت بموجات من اللاجئين باتجاه مصر، وأخيرا تبدو الحرب في غزة بوابة لعدم الاستقرار مع عدم قدرة الجهود الدبلوماسية على وقف الحرب.

أسس العلاقات المصرية-الروسية

رغم أن العلاقة بين مصر وروسيا تعود إلى حقبة الحرب الباردة، لكن تم دفعها خلال السنوات الأخيرة بحكم الوضع الليبي بالدرجة الأولى، لكن الدوافع السياسية ليست عاملا وحيدا في هذا الأمر، حيث زاد التعاون الاقتصادي والعسكري.

وكانت المصالح المشتركة بين البلدين في مكافحة الإرهاب وتعزيز التنمية الاقتصادية وضمان الاستقرار الإقليمي هي الدافع وراء هذه الشراكة المتجددة.

ويمتد التعاون بين مصر وروسيا إلى العديد من القطاعات الحيوية، فهناك مشاريع الطاقة التي تظهر عبر بناء محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر، والتعاون العسكري الذي تعزز بالتدريبات العسكرية المشتركة وصفقات الأسلحة، وأدت جهود التعاون إلى وضع كلا البلدين كفاعلين رئيسيين في معالجة النزاعات الإقليمية، ولا سيما الأزمة الليبية.

رؤية مصر وروسيا الموحدة بشأن ليبيا

وتشترك كل من مصر وروسيا في هدف مشترك في ليبيا يتمثل في استعادة الاستقرار، ومنع البلاد من أن تصبح بؤرة للإرهاب والهجرة غير المنضبطة، ويتميز نهجهما بدعم الحلول السياسية التي تشمل جميع الفصائل الليبية، وتعزيز انسحاب القوات الأجنبية، وتشجيع المصالحة الوطنية، وهذه الرؤية تم بناؤها عبر المباحثات المشاركة الدبلوماسية والاتفاقيات المتبادلة.

وانعكست السياسات المصرية – الروسية تجاه ليبيا بشكل ملموس على الأرض، وخصوصا في الشرق الليبي حيث خلقت جهودهما التعاونية بيئة مواتية للحوار السياسي وتقليل احتمالية التصعيد العسكري.

عمليا حققت الشراكة المصرية-الروسية توازنا تجاه التدخلات الخارجية الأخرى في ليبيا، من خلال العمل معا، بهدف الحد من تأثير الجهات الفاعلة الخارجية التي قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات أو إطالة أمد الصراع، وأوجدا نهجا استراتيجيا يربط مصالح البلدين.

وتحتفظ روسيا بالتواصل مع مختلف الفصائل الليبية، وذلك على غرار سياسة مصر التي تهدف إلى إشراك جميع الأطراف لتعزيز سلام شامل، كما يرى كلا البلدين أن استقرار ليبيا مفيد للتكامل الاقتصادي الإقليمي، بما في ذلك المشاريع المتعلقة بالطاقة التي تشمل الموارد الليبية.

وتظهر الصورة الأوسع للتعاون بين البلدين في منح الدور المصري في ليبيا موقعا خاصا في مواجهة التدخلات الخارجية، فبالنسبة لمصر تشكل حدودها الغربية مع ليبيا مسألة أساسية بالنسبة للسيادة والاستقرار، وهو ما يجعل تعزيز علاقاتها مع موسكو أمرا حيويا لخلق بعد دولي لمخاوفها من تطور النزاع الليبي، ويضعها في نفس الوقت في موقع خاص من عمليات التفاوض، وهو ما قامت به عبر إعلان 2020.

وفي مارس 2024، عُقد اجتماع في القاهرة تحت رعاية الجامعة العربية جمع بين القيادات الليبية الرئيسية، وهم محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، ومحمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة.

وتم خلال الاجتماع الاتفاق على تشكيل لجنة فنية لتعديل قوانين اللجنة “6+6” بهدف توسيع قاعدة التوافق لحل القضايا الخلافية، وهذه الجهود الدبلوماسية توضح ثقل الدور المصري، والأهمية التي تضعها موسكو على قدرة السياسة المصرية في التعامل مع الواقع الليبي.

وتتمتع مصر وروسيا بمكانة تسمح لهما بمعالجة التحديات الإقليمية، وهوما يجعل التعاون المشترك الحالي حساسا على المستوى السياسي ويمتلك قاعدة واسعة من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والتخطيط على المستوى الإقليمي في مسألة إعادة إعمار ليبيا لتوفير الاستقرار من خلال النمو الاقتصادي، إضافة للمساعدة في توحيد وتدريب القوات الأمنية الليبية لضمان قدرة البلاد على الحفاظ على أمنها الخاص.

ويبقى تعزيز العلاقات المصرية-الروسية عاملا مهما في السعي لتحقيق الاستقرار في ليبيا من خلال الجهود الدبلوماسية المنسقة، ودعم العمليات السياسية الشاملة، والالتزام المشترك بسيادة ليبيا.

وتساهم مصر وروسيا في إيجاد حل محتمل للصراع المستمر، فشراكتهما توضح كيف يمكن للعلاقات الثنائية بين القوى الإقليمية والدولية أن تؤثر بشكل عميق على حل الأزمات الإقليمية، واستمرار البلدين في العمل يفتح نهجاللسلام والتنمية، وهو نموذجا في مسألة حل النزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعيدا عن الأشكال التقليدية التي تتبعها التحالفات العسكرية في الغرب.

بقلم مازن بلال

شركة سعودية تفوز بتشغيل حقلي بترول في مصر

اقرأ المزيد