تدخل اليوم منطقة القرن الإفريقي، الهشة سياسياً،ً صراعاً بين الانقسامات المحلية والطموحات الدولية، وذلك على ضوء مراجعة الولايات المتحدة بإدارتها القادمة للاعتراف بأرض الصومال.
تعكس الخطوة الأمريكية للاعتراف بهذه المنطقة الانفصالية في شمال الصومال خطوة أوسع نطاقاً في الجغرافيا السياسية العالمية، ما يعكس العودة إلى التنافسات الشبيهة بالحرب الباردة في منطقة محاصرة بشكل متزايد بين القوى المتنافسة، فأرض الصومال التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991، لم تحظَ باعتراف دولي كدولة مستقلة، وبقيت الولايات المتحدة تتعامل رسمياً مع الحكومة الفيدرالية الصومالية في مقديشو.
أرض الصومال وصراعها من أجل الاعتراف
في حين حافظت أرض الصومال على السلام النسبي والحكم الديمقراطي، إلا أنها تواجه معضلة الاعتراف بها وذلك بسبب التزام الاتحاد الإفريقي بالحفاظ على حدود الحقبة الاستعمارية لتجنب تشجيع الانفصال، لكن في نفس الوقت فإن الموقع الاستراتيجي لأرض الصومال على طول خليج عدن يجعلها حليفاً مرغوباً لدي العديد من الدول الكبرى، حيث تشير التقارير إلى أن سلطات أرض الصومال على استعداد لاستضافة قاعدة عسكرية أميركية في عاصمتها هرجيسا، وذلك كجزء من جهد أوسع نطاقاً لتأمين الاعتراف الدولي، ومن شأن القاعدة المقترحة أن تعزز النفوذ الأميركي في المنطقة، وخاصة بالقرب من ممرات الشحن الاستراتيجية المؤدية إلى قناة السويس.
ويقدم العرض الذي تطرحه أرض الصومال مجالا ًلعودة منطقة القرن الإفريقي لمسرح التنافس الدولي، حيث دفعت القاعدة الصينية في جيبوتي، إلى جانب العلاقات المتوسعة لروسيا في المنطقة، الولايات المتحدة إلى النظر في موطئ قدم بديل، ويوفر الاستقرار النسبي في أرض الصومال فرصة مغرية، وفي حال قامت الولايات المتحدة بالاعتراف بأرض الصومال فإنها ستحاول موازنة النفوذ الصيني والروسي، وتوفير نقطة مراقبة للوضع المضطرب في اليمن والشرق الأوسط عموماً.
أما على الصعيد الأمريكي المحلي، فإن المشرعين الجمهوريين ومراكز الفكر السياسي دعوا بشكل واضح وصريح إلى الاعتراف بأرض الصومال، فهم يزعمون أن استقرارها سيظهر بشكل معاكس للصراع في الصومال الذي يعاني من التطرف والتفتت السياسي، وهذا الاعتراف وسيلة لتعزيز المصالح الاستراتيجية الأميركية دون التزامات عسكرية واسعة النطاق.
ووفق العديد من التقارير يتوقع أن يقوم رئيس أرض الصومال، موسى بيحي عبدي، بزيارة للولايات المتحدة قريبا، ويأتي الحديث عن الزيارة في ظل سعي أرض الصومال إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات مثل الأمن، مكافحة الإرهاب، والتنمية الاقتصادية.
الآثار المترتبة عن اعتراف بأرض الصومال
تعارض الحكومة الفيدرالية الصومالية في مقديشو بشدة استقلال أرض الصومال، فالاعتراف لن يؤدي فقط إلى تفاقم الانقسامات داخل الصومال، بل يشجع أيضاً الحركات الانفصالية الأخرى في جميع أنحاء إفريقيا، وفي هذا الإطار أعلنت بونتلاند، وهي منطقة شبه مستقلة أخرى في الصومال، عن خطط لإصدار عملتها الخاصة، ما يشير إلى طموحات محتملة لمزيد من الحكم الذاتي.
وسعت الحكومة الفيدرالية في مقديشو إلى مركزية السلطة في السنوات الأخيرة، وذلك رغم ضعفها حيث تمتد سلطتها على مناطق محدودة، بينما تتمتع العشائر والميليشيات المحلية بنفوذ في مناطق شاسعة، وتستمر الجماعات المتطرفة مثل الشباب في تشكيل تهديدات كبيرة، ما أدى لاعتماد الصومال وسط هذه التحديات بشكل كبير على المساعدات الدولية والمساعدة الأمنية، وإذا حصلت أرض الصومال على الاعتراف، فسيؤدي ذلك إلى دفع مقديشو إلى البحث عن تحالفات بديلة.
المخاوف الأمريكية تبدأ من الدور الروسي الذي بات واضحا أن العديد من الدول الإفريقية تفضله عن أي مساعدات أمريكية، وموسكو تعمل بالفعل على تعميق علاقاتها مع الصومال، فحسب عدد من التقارير عرضت روسيا على مقديشو الدعم العسكري، وبالنسبة لأي إدارة أمريكية سيؤدي هذا إلى خلق سيناريو حيث تصبح الصومال ساحة معركة للقوى العالمية المتنافسة، ما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
ديناميكيات إقليمية أوسع
إقليمياً فإن إثيوبيا التي كانت تاريخياً لاعباً رئيسياً في أرض الصومال، ستستفيد من الاعتراف الأمريكي، حيث عملت الحكومة الإثيوبية على تنمية العلاقات مع أرض الصومال، وتأمين الوصول إلى ميناء بربرة من خلال اتفاقيات تتجاوز مقديشو، ومن الممكن أن يعزز الاعتراف بأرض الصومال طموحات إثيوبيا للهيمنة الإقليمية في حين يعقد العلاقات بين الصومال وإريتريا.
إن جيبوتي المجاورة لأرض الصومال التي تستضيف بالفعل قواعد عسكرية أمريكية وصينية؛ تخاطر بفقدان احتكارها الاستراتيجي، وقاومت جيبوتي الاعتراف بأرض الصومال، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تحول موازين القوى الإقليمية وتقليص أهميتها كمركز للقوى الأجنبية، وفي حين أن الاعتراف من شأنه أن يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، فإنه يحمل مخاطر كبيرة، ومن المرجح أن ينظر الاتحاد الإفريقي، ودول إفريقية رئيسية مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا إلى هذا الأمر باعتباره تقويضاً للوحدة القارية، ويمكن أن يؤدي إلى تنفير مصر وتركيا، اللتين استثمرتا بكثافة في استقرار الصومال، حيث ترى مصر في الصومال ثقلا ًموازناً لطموحات إثيوبيا في حوض النيل، في حين أقامت تركيا علاقات عسكرية واقتصادية مع مقديشو.
في المقابل يمكن أن يفتح الاعتراف الأمريكي بأرض الصومال المطالبات الانفصالية في مختلف أنحاء القارة، فمن أمبازونيا في الكاميرون إلى بيافرا في نيجيريا، تعج إفريقيا بالحركات التي تسعى إلى الحكم الذاتي أو الاستقلال، وأي اعتراف بأرض الصومال كحالة انفصالية سيشجع الاعتراف بالحركات الانفصالية ما يؤدي إلى انتشار الصراعات.
إن استقلال أرض الصومال يمثل نقطة تحول في الجغرافيا السياسية للقرن الإفريقي، وفي حين يوفر مكاسب محتملة في مواجهة النفوذ الصيني والروسي، فإنه يخاطر بزعزعة استقرار منطقة هشة بالفعل، وربما تصبح الصومال ساحة معركة بالوكالة للقوى العظمى، وتؤدي هذه الخطوة إلى إجهاد العلاقات الأمريكية مع الدول الإفريقية الملتزمة بالحفاظ على سلامة الأراضي.
وفي حين تستعد المنطقة للاضطرابات المحتملة، فمن الواضح أن القرن الإفريقي لا يزال يمثل نموذجاً مصغراً للمنافسات العالمية الأوسع نطاقاً، ويؤكد سعي أرض الصومال للحصول على الاعتراف على التفاعل الدائم بين التطلعات المحلية والطموحات الدولية – وهي الديناميكية التي ستشكل مستقبل المنطقة لسنوات قادمة.
بقلم نضال الخضري
نزال مصري – كويتي في PFL MENA بالرياض