05 ديسمبر 2025

مشروع تحويل مجرى نهر النيل الأبيض عاد إلى واجهة النقاش في السودان، وسط جدل واسع يتجدد مع كل فيضان يضرب البلاد وكل تدفق غير متوقع من سد النهضة الإثيوبي.

ويطرح المشروع تساؤلات عميقة حول مستقبل إدارة الموارد المائية، في ظل تزايد الضغوط الناجمة عن التغيرات الإقليمية والهيدرولوجية.

ويقوم المشروع على تحويل مجرى النيل الأبيض عبر قناة ضخمة تمتد مئات الكيلومترات من خزان جبل أولياء، على بعد 50 كيلومتراً جنوب الخرطوم، وصولاً إلى مدينة الدبة شمال البلاد، بمسافة تقدر بـ 330 كيلومتراً، ما يجعل مقرن النيلين في الدبة بدلاً من الخرطوم.

ويهدف المشروع إلى تقليص مجرى النهر من 1700 كيلومتر إلى نحو 470 كيلومتراً فقط، ما يقلل من الفاقد المائي الناتج عن التبخر والتسرب، ويوفر أراضي زراعية جديدة تقدر بمليوني فدان، تضاهي مشروع الجزيرة من حيث الامتداد والإمكانات الإنتاجية.

وتعود فكرة المشروع إلى دراسات أجريت في الحقبة الاستعمارية وما بعدها، حين بحث مهندسون بريطانيون في إمكانية تقليص فاقد المياه في أعالي النيل.

وقد أعاد المهندس السوداني عثمان حيدر طرح المشروع قبل سنوات في تصور هندسي متكامل، مستنداً إلى أبحاث جيولوجية كشفت أن مجاري طبيعية قديمة، مثل وادي المقدم ووادي الملك ووادي هور، كانت تمثل في عصور سحيقة مسارات رئيسية للنهر، قبل أن تتحول إلى أودية موسمية بفعل التغيرات المناخية.

وتتجاوز أهداف المشروع تقليل الفيضانات، إذ يطمح إلى إعادة رسم الخريطة الزراعية للسودان من خلال استغلال الأراضي الجديدة في زراعة الحبوب والقطن والمحاصيل النقدية، مما يعزز الأمن الغذائي ويمنح البلاد موقعاً استراتيجياً في معادلة الأمن الغذائي الإقليمي، كما يتضمن المشروع تصوراً لتخطيط عمراني جديد للخرطوم يخفف من المخاطر المائية المتكررة.

وغير أن المشروع يواجه معارضة من خبراء ومسؤولين سابقين، ففي حديث لموقع صحفي، استبعد وزير الري السوداني الأسبق الدكتور عثمان التوم جدواه، قائلاً: “لا أظن له جدوى من نواحٍ كثيرة، إذا قامت الآلية المشتركة بين السودان وإثيوبيا لتشرف على تنظيم تشغيل منظومة النيل من الهضبة الإثيوبية حتى دنقلا، تنتفي احتمالية الفيضانات في السودان”.

وعبّر الخبير البيئي الدكتور الفاتح يس، عن رفضه القاطع لفكرة تحويل مجرى النيل الأبيض، مؤكداً أن التدخل في الطبيعة والأنظمة المائية يحمل مخاطر جسيمة.

وقال: “مشكلتنا الأساسية ليست في النيل الأبيض، بل في النيل الأزرق وتدفقات سد النهضة، إذا كانت هناك معالجة، فمن الطبيعي أن تكون في مجرى النيل الأزرق لا في غيره”.

وأضاف أن سد الروصيرص لم يعد قادراً على استيعاب التدفقات القادمة من سد النهضة، محذراً من مخاطر إضافية إذا تمت تعليته مرة أخرى.

واتهم يس الجهات التي تروج للدراسة بأنها “مدعومة من جهات معادية للسودان” وتسعى إلى زعزعة الرأي الفني والهندسي داخلياً، معتبراً أن توقيت إعادة طرح المشروع يهدف إلى صرف الأنظار عن المخاطر الحقيقية المرتبطة بسد النهضة، والتي ظهرت بوضوح في التدفقات غير المسبوقة على مجرى النيل الأزرق.

ويأتي الجدل حول المشروع في وقت يشهد فيه السودان نقاشات محتدمة بشأن مستقبل النيل الأزرق وسد النهضة، الذي غيّر موازين المياه في المنطقة.

وبينما يواجه السودان ضغوطاً متزايدة من الفيضانات وتذبذب التدفقات، تبقى إدارة الموارد المائية قضية وجودية تتطلب حلولاً غير تقليدية.

ويظل مشروع تحويل مجرى النيل الأبيض بين من يراه خطوة هندسية جريئة لإعادة تشكيل خريطة المياه والزراعة في السودان، ومن يعتبره مغامرة بيئية محفوفة بالمخاطر.

وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، يبدو أن السودان يقف على مفترق طرق مائي حاسم، يحتاج فيه إلى صياغة رؤية متوازنة تجمع بين التنمية والحفاظ على البيئة، لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

ذهب السودان تحت أنظار ملياردير مصري

اقرأ المزيد