حذرت دراسة صادرة عن مركز الدراسات النقدية بجامعة أوسلو من أن السودان دخل رسميا مرحلة التضخم المفرط، بعدما تجاوزت معدلات التضخم حاجز 400% خلال عام واحد، ما أدى إلى فقدان الجنيه السوداني قيمته ووظيفته الأساسية كأداة للتبادل والادخار والاستقرار الاقتصادي.
وأشارت الدراسة إلى أن مظاهر الأزمة تجاوزت المؤشرات الرقمية، إذ باتت الثقة المجتمعية بالعملة المحلية شبه معدومة، مع اتساع الاعتماد على العملات الأجنبية مثل الدولار الأمريكي والريال السعودي والدرهم الإماراتي في التعاملات اليومية، بما يشمل السلع الأساسية، الإيجارات، والأجور.
وبحسب التقرير، لم يعد الجنيه السوداني يستخدم للتسعير أو الادخار حتى في الأسواق الشعبية، حيث أصبح التعامل بالدولار والريال الوسيلة الأكثر شيوعًا بين التجار والمستهلكين، ما يعني فعليًا خروج العملة المحلية من التداول الفعلي داخل الاقتصاد الوطني.
وأوضح المركز أن التضخم المفرط يعرف وفق المعايير النقدية الدولية بأنه تجاوز معدل التضخم الشهري 50% أو السنوي 1000%.
ورغم غياب بيانات رسمية دقيقة في السودان، فإن الاعتماد على مؤشرات السوق الموازية وأسعار السلع الأساسية أظهر أن معدل التضخم الفعلي يدور حول 400% سنويا، وهو ما يضع البلاد في فئة الدول التي تشهد انهيارا وظيفيًا لعملتها، مثل فنزويلا وزيمبابوي سابقًا.
وأوضحت الدراسة أن الأسعار تضاعفت ثلاث مرات خلال عام واحد، حيث ارتفعت تكاليف الوقود بنسبة 280% والإيجارات بنحو 230%، ما تسبب في تراجع الاستهلاك الأسري بنسبة 40%.
ولجأت العديد من الأسر إلى تحويل مدخراتها إلى عملات أجنبية أو سلع معمرة كوسيلة لحماية قيمتها من التآكل.
ووصفت الدراسة الجنيه السوداني بأنه أصبح رمزًا سياديًا أكثر من كونه أداة اقتصادية، إذ يقتصر استخدامه في الخطاب الرسمي، بينما تم استبعاده فعليًا من السوق، ما يعكس أزمة ثقة عميقة بين الدولة والمجتمع.
واقترح مركز أوسلو مجموعة من الإجراءات العاجلة لإنقاذ الجنيه السوداني، أبرزها:إطلاق برنامج وطني للتثقيف المالي لتعزيز الوعي النقدي، وربط الجنيه بسلة عملات أو أصول حقيقية لتثبيت قيمته، وإنشاء هيئة نقدية مستقلة عن السلطة التنفيذية لضمان الشفافية، وتقديم دعم نقدي مباشر للأسر الأكثر تضررا بالعملات الأجنبية للحد من الانكماش الاستهلاكي.
وختمت الدراسة بالتأكيد على أن ما يواجهه السودان لا يُعد أزمة مالية فقط، بل أزمة ثقة وطنية في العملة المحلية، بعد أن فقد الجنيه دوره في الحياة الاقتصادية اليومية، مؤكدة أن إصلاح السياسة النقدية لن ينجح دون إصلاح مؤسسي شامل يعيد الثقة في الدولة والنظام المالي.
الأمم المتحدة: تونس تسلّم مهاجرين لليبيا حيث يتعرضون للابتزاز والتعذيب والقتل
