23 ديسمبر 2024

رفض السودان طلبا إيرانيا ببناء قاعدة بحرية إيرانية على ساحل البحر الأحمر، وذلك وفق صحيفة “وول ستريت جورنال” التي نقلت الخبر.

ورأت الصحيفة أن وجود مثل هذه القاعدة سيعطي طهران ميزة مراقبة حركة المرور البحرية من وإلى قناة السويس، وحسب مستشار المخابرات لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أحمد حسن محمد، الذي نقلت الصحيفة تصريحاته فإن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات دون طيار لاستخدامها في قتال قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي” وعرضت تقديم سفينة حربية تحمل مروحية إذا منح السودان الإذن بإقامة القاعدة، وأضاف أن الخرطوم رفضت الاقتراح الإيراني لتجنب إثارة عداء الولايات المتحدة وإسرائيل.

ساحة صراع دولي

يثير الطلب الإيراني مسألة الصراعين الدولي والإقليمي على السودان في ظل الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تمثل هذه الخطوة أكثر من مجرد طموح عسكري، فهو يشير إلى لعبة جيوسياسية أوسع من جانب طهران وغيرها من اللاعبين الإقليميين لتعزيز النفوذ على طول شواطئ البحر الأحمر، ووصولا إلى حوض النيل وضمن منطقة تلتقي فيها إفريقيا بالشرق الأوسط، فالمشهد السوداني يحمل معه مشهدا معقدا اعتبارا من مصر التي تعتبر داعما رئيسيا للفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، حيث تعتبره القاهرة الضامن الأكثر ترجيحًا لمصالحها، بما في ذلك في مفاوضاتها بشأن سد النهضة الإثيوبي.

الجانب الآخر من الرهانات الإقليمية من جانب حميدتي، زعيم قوات الدعم السريع، الذي يمتلك علاقات وثيقة مع الإمارات، فهناك نقطة التقاء أساسية بينهما مرتبطة بالحد من نفوذ الإسلام السياسي، وفيما تبدو القوى الغربية ضمن صورة دعم مرحلة انتقالية في السودان فإنها في عمق دورها تسعى لرسم توازن يضمن لها التأثير الأوسع على مساحة القارة الإفريقية، فهمها الأساسي يرتبط بالعلاقات القائمة ضمن مستعمراتها السابقة في هذه القارة.

بالنسبة لروسيا فإنها وقعت سابقا اتفاقية لبناء قاعدة عسكرية في السودان، وذلك ضمن رؤيتها الأوسع في صراعها مع الولايات المتحدة، ولخلق توازن في الأدوار الدولية مع الولايات المتحدة ودول الناتو على مسرح السياسة الدولية، ورغم أن القاعدة الروسية لم تظهر حتى اللحظة نتيجة التعقيدات التي ضربت السودان، لكن الدور الروسي يتوازى مع باقي العوامل الدولية الأخرى سواء بالعلاقات مع الأطراف المتنازعة أو حتى ضمن الساحة الإفريقية عموما.

الخيارات السودانية

الطلب الإيراني بشأن القاعدة البحرية يأتي وسط حالة صعبة يجد الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، نفسه عند مفترق طرق، على الأخص أن كشف التعاملات السابقة مع إيران شملت شراء طائرات بدون طيار للتخفيف من الخسائر البشرية وفق ادعاءات الجيش، لكن العرض الإيراني الأخير، الذي تضمن تقديم طائرات مسيرة متفجرة وسفينة حربية قادرة على حمل طائرات مروحية مقابل إنشاء قاعدة بحرية، ورفض الطلب الإيراني لا يشكل تغيرا واضحا في الصراع على السودان، فالاحتياجات تجاوزت الأمور العسكرية، فهناك أكثر من 25 مليون سوداني، أي أكثر من نصف السكان، يحتاجون للمساعدات، ويواجه 18 مليوناً انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهذه الظروف الصعبة هي بوابة للتأثيرات الخارجية التي تسعى إلى الحصول على موطئ قدم في الدولة ذات الموقع الاستراتيجي.

ويتعقد الوضع بسبب علاقة السودان مع الدول الإفريقية الأخرى والقوى الإقليمية، فالتقارب التاريخي مع إيران وحلفائها في عهد الرئيس عمر البشير تغير، وذلك مع سعي البرهان للتحالف مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات الدولية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويعكس هذا المحور الولاءات المتغيرة والنسيج المعقد من التحالفات التي تحدد المشهد السياسي في المنطقة.

وفيما أعربت الولايات المتحدة عن قلقها بشأن شحنات الأسلحة الإيرانية إلى السودان، معتبرة ذلك بمثابة إنذار كبير للأمن الإقليمي، فإن موقع السودان الاستراتيجي على طول البحر الأحمر تجاوز التحذيرات الأمريكية، فاللعبة الجيوسياسية التي تتواجد فيها واشنطن بقوة مرتبطة بالطرق البحرية المحورية التي تمر عبر قناة السويس والبحر الأحمر وقربه من المياه المضطربة بالقرب من اليمن، فالتوازن الهش للسودان يؤثر بشكل واضح على العلاقات الدولية أثناء التعامل مع الصراع الداخلي والضغوط الإقليمية.

المساحة الإفريقية

على الجبهة الإفريقية، تعكس علاقات السودان مع جارتيه مصر وليبيا نوعية الصراع القائم الذي لا يتوقف على مسألة الاستقرار فقط، بل أيضا على تعزيز النفوذ عند طرفي الصراع، حيث قدمت مصر طائرات بدون طيار وتدريبًا للجيش السوداني، مما يؤكد على المصالح الأمنية المتشابكة بين البلدين، وتشير مبادرة ليبيا للتوسط بين القادة العسكريين السودانيين إلى رغبة ليبية في تعزيز دور إقليمي لها رغم كافة مشاكلها الداخلية.

وبينما يمر السودان عبر مخاض الصراع وعدم الاستقرار السياسي، تظل علاقاته مع الدول الإفريقية والقوى حاسمة، ورفض القاعدة الإيرانية مؤشر على الاتجاه الحالي للسياسة الخارجية للسودان وللجيش، هذا إضافة إلى أن تسريب هذا الأمر من جانب الجيش السوداني يدعم بشكل واضح أجندات سياسية إقليمية في ظل الصراع الحالي على الملاحة في البحر الأحمر، فقرار السودان ليس مجرد رفض لقاعدة عسكرية، بل محاولة للضغط بشكل استراتيجي لإعادة تنظيم دبلوماسية للعلاقات بين الجيش والأطراف الدولية، والمناورة السياسية عبر تسريب هذا الأمر يشكل مشهدا جديدا لتعقيدات السياسة الإقليمية والمشهد المتطور باستمرار للعلاقات الدولية حول السودان.

بقلم مازن بلال

حمدوك يرحب بالمبادرة المصرية لوقف الحرب في السودان

اقرأ المزيد