07 أبريل 2025

إلى جانب الخسائر البشرية والتشريد نتيجة الحرب، يواجه السودانيون أوضاعاً إنسانية كارثية، من أبرزها انهيار القطاع الصحي بسبب نقص الكوادر الطبية وإغلاق المستشفيات، ما يهدد حياة الملايين.

وتتقلص أعداد العاملين في المستشفيات والمراكز الصحية مع استمرار الحرب، مما يضعف قدرة النظام الصحي على تقديم أي خدمات طبية.

وكشفت نقابة أطباء السودان أن 78 طبيباً وعاملاً صحياً على الأقل لقوا حتفهم منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، بينما أُجبرت 90% من المرافق الطبية في مناطق النزاع على إغلاق أبوابها، ما ترك ملايين السودانيين بدون رعاية صحية.

وأشارت النقابة إلى أن قوات الدعم السريع اقتحمت مستشفيات لمعالجة جرحاها أو لملاحقة خصومها، كما نفذت عمليات انتقامية ضد الكوادر الطبية بعد وفاة بعض مقاتليها أثناء تلقيهم العلاج.

ومن ناحية أخرى، يُتهم الجيش السوداني بتنفيذ غارات جوية استهدفت منشآت طبية، مما زاد من صعوبة الحصول على العلاج في المناطق المنكوبة.

ولم تقتصر الأزمة الصحية على الأمراض الجسدية، بل امتدت لتشمل الصحة النفسية، التي تعاني منذ ما قبل الحرب من نقص حاد في الكوادر المتخصصة.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن السودان لديه طبيب نفسي واحد فقط لكل 2.5 مليون شخص، وهو عدد غير كاف لتغطية احتياجات السكان، لا سيما بعد أن انخفض العدد من 60 طبيباً نفسياً إلى نحو 20 فقط بسبب الحرب.

وتشير استشارية علم النفس ابتسام محمود إلى أن السودان يعاني من ندرة في خدمات الطب النفسي، رغم تزايد الحاجة إليها، حيث يواجه السودانيون أمراضاً مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة بسبب مشاهد العنف والانتهاكات الواسعة.

وترى محمود أن هناك ثلاثة محاور رئيسية يجب العمل عليها وهي: توعية الأسر والمدارس بمهارات التعامل النفسي مع الأوضاع الصعبة، توفير الدعم النفسي للنازحين واللاجئين الذين يعانون من التوتر والقلق، وعلاج المصابين باضطرابات نفسية، خاصة الذين تعرضوا لصدمات الحرب.

ولم تكن أزمة نقص الكوادر الطبية وليدة الحرب، لكنها تفاقمت بشدة بعد اندلاعها، فقد قرر مئات الأطباء التوقف عن العمل أو مغادرة البلاد بحثاً عن بيئة أكثر أماناً، مما أدى إلى فراغ خطير في القطاع الصحي.

ويقول الطبيب مصعب وهباني، المتخصص في الأمراض الباطنية، إنه فقد وظيفته في المستشفى الكويتي بالخرطوم بعد أن حولته قوات الدعم السريع إلى ثكنة عسكرية، ما دفعه إلى مغادرة السودان بحثاً عن عمل في الخارج.

كما أوضح أن تخصصات مثل الطب النفسي والأمراض الجلدية وجراحة العظام والأنف والأذن والحنجرة من أكثر التخصصات التي فقدها السودان بسبب الهجرة.

وأما الصيدلاني مجدي طه، فقد اضطر إلى مغادرة البلاد بعد أن تعرض منزله للنهب وفقد مصدر رزقه، ليستقر في سلطنة عمان، ويقول إن راتبه السابق لم يكن يكفي حتى لدفع إيجار منزل في منطقة آمنة، مما جعله يختار الهجرة بحثاً عن حياة أكثر استقراراً.

وفي ظل استمرار الحرب، يحذر الخبراء من أن القطاع الصحي في السودان على وشك الانهيار التام، مع تزايد نقص الكوادر الصحية والإمدادات الدوائية.

وأكدت منظمة أطباء بلا حدود أنها علّقت معظم أنشطتها في مستشفى بشائر الجامعي بجنوب الخرطوم بعد اقتحامه من قبل مسلحين.

وإلى جانب الخطر الأمني، يواجه الأطباء والعاملون الصحيون صعوبات في الوصول إلى أماكن عملهم، وتعرض بعضهم للاعتداء أو الاعتقال، مما زاد من معاناتهم، وفي ظل هذا الوضع، يعاني 26 مليون سوداني من الجوع الحاد، بينما ينتشر مرض الكوليرا وحمى الضنك في غياب الخدمات الطبية اللازمة.

وفي ظل تصاعد الأزمة، يطالب الأطباء والمنظمات الصحية بإجراءات عاجلة لإنقاذ ما تبقى من القطاع الصحي، تشمل: تحسين رواتب الأطباء لمنع استمرار الهجرة الجماعية، إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية التي دُمرت أو أُغلقت، ضمان وصول الإمدادات الطبية والأدوية إلى المناطق الأكثر تضرراً، وتعزيز خدمات الصحة النفسية لتقديم الدعم للمتضررين من الحرب.

يذكر أنه في غياب حل سياسي ينهي الصراع، تبقى كل هذه الجهود محدودة، ويبقى ملايين السودانيين في مواجهة مصير مجهول، وسط كارثة صحية هي الأسوأ في تاريخ البلاد.

اقرأ المزيد