25 أبريل 2025

تثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسئلة كثير حول مستقبل الاقتصاد العالمي، والشأن الأساسي يرتبط بكيفية تصرف الدول التي تعاني هشاشة سياسية مثل ليبيا لمواجهة التأثيرات السلبية لهذه الرسوم.

إعلان الرئيس الأمريكي في 2 أبريل 2025 حول الرسوم الجمركية الجديدة والشاملة خلق فوضى في الأسواق بما فيها النفط الذي يعتبر المورد الاقتصادي الأساسي في ليبيا، وجاءت هذه الزيادة بنسبة 10% على جميع الواردات، مع زيادات تصل إلى 31% على بعض الدول، وهذا القرار الذي جاء تحت شعار “العدالة التجارية” أوجد ردود فعل سياسية حادة حتى من قبل حلفاء الولايات المتحدة، لكنه يطرح سؤالا خاصا في الحالة الليبية؛ فهل ستتأثر ليبيا فعلا، أم أن التأثيرات مجرد تصعيد رمزي لا أكثر؟

خلفية القرار: أمريكا أولاً… مجدداً

جاءت الخطوة الأمريكية ضمن إطار ما وصفته إدارة ترامب بـ”الرسوم المتبادلة”، وهي سياسة تهدف إلى معادلة الرسوم المفروضة على الصادرات الأمريكية في الأسواق الأجنبية، وبين البيت الأبيض أن الولايات المتحدة سجلت عجزا تجاريا بلغ 918 مليار دولار عام 2024، وكان للصين وحدها النصيب الأكبر منه، وهذا التباين في الميزان التجاري دفع الرئيس الأمريكي إجراء حاسما، فرغم أن الصين هي الهدف الرئيس لكنه أراد تضيق أي محاولات صينية لاستخدام أراض الدول الأخرى للعمليات التجارية الصينية، وهو ما جعل الرسوم تشمل كل الدول في العالم.

عمليا نالت ليبيا نصيبها من هذه الإجراءات، رغم أن حجم التبادل التجاري بينها وبين الولايات المتحدة محدود جدا، ومع ذلك، تم فرض رسوم بنسبة 31% على وارداتها إلى السوق الأمريكي، وذلك بناء على ما وصفته الإدارة بمؤشر “الفائض التجاري” في المعادلة المستخدمة لتحديد النسب، وهذا الأمر يبدو طبيعيا كون ليبيا بواقع الانقسام السياسي جغرافيا يمكن استخدامها من قبل دول أخرى لعمليات الإنتاج والتصدير إلى الأسواق الأمريكية، فحجم التبادل التجاري بين البلدين لا يستدعي هذه النسبة الجمركية العالية، لكن المخاوف الأمريكية من استخدام الأراضي الليبية كان الدافع الأساسي لهذا الأمر.

واقع العلاقات التجارية: حدود التأثير

تأثير هذه الرسوم سيكون ضئيلًا للغاية بحسب هيئة الجمارك الليبية، والسبب أن ليبيا لا تصدّر سلعا مصنّعة إلى الولايات المتحدة، وتشير الأرقام إلى أن الصادرات الليبية إلى السوق الأمريكي لا تتجاوز 1% من إجمالي صادرات البلاد التي تتجه أساسا إلى أوروبا والصين، كما أن ليبيا تفرض بالفعل رسوما جمركية تصل إلى 61% على الواردات الأمريكية، ما يجعل التبادل محدودا، وهذا ما دفع محللين ليبيين إلى اعتبار القرار الأمريكي بلا جدوى عملية كبيرة من ناحية التأثير الفعلي.

لكن هذا لا يعني أن القرار لا يطرح تحديات ضمن السياق الأوسع، خصوصا لجهة تضييق أي احتمال لاستثمارات أجنبية يمكن أن تقام على الأرض الليبية، فالاقتصاد الليبي حاليا يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات النفط التي تشكل حوالي 90% من الإيرادات الحكومية و70% من الناتج المحلي، غير أن هذه الإيرادات تبقى عرضة للتقلبات، سواء بفعل صراعات داخلية أو عوامل خارجية مثل تراجع الطلب أو زيادة التكاليف.

كما أن الرسوم الأمريكية الجديدة ترفع تكلفة الحصول على معدات وتقنيات أمريكية متخصصة تستخدم في القطاع النفطي، رغم أن بعض هذه المعدات مستثناة بموجب بنود تنفيذية، ومع ذلك، فإن فرض القيود الجمركية يخلق حالة من الغموض القانوني والبيروقراطي، ما يؤدي إلى تأخير أو إلغاء بعض العقود، خاصة في ظل هشاشة النظام الإداري الليبي.

البعد السياسي والأمني: عقوبات وضغوط

لا تأتي الرسوم بمعزل عن العقوبات الأمريكية المستمرة التي تستهدف بعض المسؤولين والمليشيات في ليبيا، مثل “جهاز دعم الاستقرار”، وهذه العقوبات التي تشمل تجميد الأصول وحظر توريد الأسلحة، تعمّق الفجوة بين طرابلس وواشنطن، وتحد من قدرة ليبيا على جذب الاستثمارات أو عقد شراكات استراتيجية مع الشركات الأمريكية.

في المقابل فإن التصعيد الاقتصادي الحالي يدفع ليبيا إلى تعزيز علاقاتها مع قوى أخرى مثل روسيا وتركيا، وذلك في إطار إعادة تشكيل خارطة التحالفات الاقتصادية والسياسية، وهو ما يثير مخاوف من اتساع الفجوة بين المصالح الغربية والليبية في مرحلة إعادة الإعمار، وهذا ما توضحه المواقف الدولية وانقسام في الرؤية، حيث تباينت ردود الفعل على الإجراءات الأمريكية، بشكل يعقد من مهام إعادة الإعمار في ليبيا، فالصين وصفت الخطوة بـ”التنمر الاقتصادي” وتوعدت بإجراءات انتقامية، والاتحاد الأوروبي حذر من تداعيات على قطاع السيارات وهدد بتدابير مضادة، أما دول مثل اليابان وأستراليا فاكتفت بالإعراب عن القلق، ودعت إلى الحوار، بينما اعتبرت المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي القرار تهديدا للنظام التجاري العالمي، ووسط هذه التباينات فإن تحرك الدول “الأصغر” على المستوى الاقتصادي مثل ليبيا سيكون ضمن خيارات محدودة.

إن الخيار الليبي الأول هو التأقلم مع الواقع الدولي، والتفكير في خيارات طويلة الأمد، وأهمها تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، هذا المسار صعب لكنه ضروري في ظل هشاشة سوق الطاقة وتقلبات الأسعار، ومن الممكن الدخول في تحالفات بديلة تسعى عبرها لتوسيع شراكاتها التجارية مع دول غير متأثرة بالرسوم مثل الصين وتركيا، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة.

ومن الممكن أن تتجه ليبيا إلى إصلاحات داخلية عبر تعديل النظام الجمركي وتبسيط الإجراءات، ويمكن أن يجعل من ليبيا بيئة أكثر جذبا للاستثمارات، خصوصا في القطاعات الزراعية والصناعية التي لا تزال مهملة، ولكن هذا الأمر لن يخلق توازنا في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، وفي العموم فإن الرأي العام الليبي يتراوح بين الخوف والتفاؤل حيث يظهر الانقسام حتى في هذا الأمر، حيث يرى فريق في هذه الأزمة فرصة لتسريع الانتقال إلى اقتصاد متنوع ومستقل، بينما يحذر الفريق الثاني من تفاقم الأزمة المعيشية، خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، في حال تطورت الحرب التجارية بين واشنطن وبروكسل.

بينما تبدو ليبيا بمنأى عن التأثير المباشر لرسوم ترامب، فإن تفاعل هذه الرسوم مع العقوبات الاقتصادية، والاضطراب السياسي، وهشاشة الاقتصاد الداخلي، يؤدي إلى نتائج أعمق على المدى المتوسط، فالرسوم الجمركية ليست الضربة الكبرى، لكنها تضيف وزنا إضافياً على كاهل اقتصاد يعاني أصلاً من العجز البنيوي والانقسام السياسي.

بقلم مازن بلال

اقرأ المزيد