يواصل مصرف ليبيا المركزي الاعتماد على عوائد الذهب والاستثمارات الخارجية لتعويض عجز النقد الأجنبي، في وقت تشهد فيه أسواق الذهب المحلية ركودا حادا، حيث تراجع الإقبال على الشراء واقتصر على المناسبات الاجتماعية، وسط توجه متزايد نحو الدولار كملاذ آمن للمدخرات.
وبلغ إجمالي إيرادات النقد الأجنبي، حتى نهاية أغسطس الماضي، نحو 15.8 مليار دولار، مقابل استخدامات بقيمة 21.7 مليار دولار، ما أفضى إلى عجز مقداره 5.9 مليارات دولار، تمت تغطيته من عوائد استثمارات المركزي في الودائع والذهب، إضافة إلى نحو 400 مليون دولار من الاحتياطيات، بحسب بيانات رسمية.
وشكل الارتفاع القياسي في أسعار الذهب عالميا من متوسط يتراوح بين 1,700 و1,850 دولارا للأونصة عام 2022 إلى نحو 3,700 دولار في أكتوبر 2025 متنفسا للمصرف المركزي عبر زيادة العوائد، لكنه لم ينعكس إيجابا على السوق المحلية التي تعاني ضعفا في الطلب وتراجع القدرة الشرائية.
وفي طرابلس، يقول التاجر رمضان التومي من سوق أبو سليم إن الإقبال على الذهب “انحصر في مناسبات الزواج والخطوبة”، مضيفا أن “المواطنين توقفوا عن اقتناء الذهب كأداة ادخار بسبب الغلاء وتقلّبات السوق”، مشيرا إلى أن الأسعار تراجعت هامشيًا بنسبة 0.4% بعد انخفاض الدولار، دون أن ينعكس ذلك على حركة البيع.
وفي سوق المدينة القديمة، يوضح التاجر محمد شلابي أن المواطنين “اتجهوا إلى شراء الدولار بدل الذهب”، موضحا أن بعض المحال أصبحت تتاجر بالعملة الأجنبية لتعويض الخسائر، ويقول: “الذهب أصبح سلعة موسمية، لا استثمارية، لأن القوة الشرائية تآكلت، والدينار فقد كثيرًا من قيمته”.
ويبلغ سعر غرام الذهب عيار 21 نحو 737 دينارا، وعيار 18 حوالي 631 دينارا، في وقتٍ يبلغ فيه سعر صرف الدولار 5.5 دنانير.
ويؤكد مواطنون أن الأسعار المرتفعة دفعت العديد من الأسر إلى الاستعاضة بالفضة في المناسبات بدل الذهب.
ويرى المحلل الاقتصادي محمد التركي أن المشهد يعكس مفارقة اقتصادية لافتة، إذ “يحقق المصرف المركزي مكاسب من ارتفاع الذهب عالميا، في حين تخنق الأسواق المحلية بفعل الركود والغلاء”، مضيفا أن الذهب في الثقافة الليبية ما يزال رمزا للأمان الاجتماعي، ويحتفظ به ضمن ما يعرف شعبيا بـ”ذهب لعازة الزمان”.
وتظهر بيانات المجلس العالمي للذهب أن احتياطي ليبيا الذهبي بلغ 146.65 طنًا في الربع الثاني من 2025، ما يجعلها من أكبر الدول الإفريقية امتلاكا للمعدن النفيس.
ورغم هذه المكاسب، يرى مراقبون أن استمرار ازدواجية الاقتصاد الليبي بين مؤسسات الشرق والغرب يحد من قدرة المصرف المركزي على تحويل أرباح الذهب إلى استقرار نقدي فعلي، مؤكدين أن الارتفاع العالمي في الأسعار قد يظل “إنعاشا نظريا” ما لم يُترجم إلى تحسن في الدخل والسيولة والأسواق المحلية.
البنوك الأمريكية والدولية توقف معاملتها المالية مع مصرف ليبيا المركزي
