في ظل استمرار الحرب الدامية في السودان منذ عامين، أصبح الذهب أحد أبرز مصادر تمويل طرفي النزاع، مع توجه معظم إنتاجه إلى الإمارات، المستورد الأول لهذا المعدن الثمين من السودان، وفقاً لمسؤولين ومنظمات دولية.
وسجل السودان إنتاجاً قياسياً من الذهب عام 2024، رغم الدمار الذي لحق باقتصاده وبنيته التحتية، بحسب الحكومة التابعة للجيش السوداني.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد العظيم الأموي أن سهولة الحصول على الذهب في ظل انهيار الدولة ساهمت في إطالة أمد الحرب، إذ تستفيد منه الشركات المرتبطة بالجيش وقوات الدعم السريع.
وأعلنت الشركة السودانية للموارد المعدنية عن ارتفاع الصادرات الرسمية للذهب إلى 64 طناً في 2024، مقارنة بـ41.8 طناً في 2022، لكن مع ذلك، يؤكد مدير الشركة، محمد طاهر، أن ما يقارب نصف الإنتاج يتم تهريبه عبر الحدود.
ووفق مؤسسة “سويس إيد”، التي ترصد تهريب الذهب الإفريقي، فإن تتبع مسارات الذهب السوداني يقود إلى الإمارات، التي تستقبله عبر القنوات الرسمية أو التهريب، أو حتى عبر مناجم تمتلكها شركات إماراتية داخل السودان.
وفيما تنفي أبوظبي الاتهامات المتعلقة بتهريب الذهب أو التربّح منه، تتقدم الحكومة السودانية بخطوات تصعيدية، حيث رفعت شكوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بتهمة “التواطؤ في إبادة جماعية” من خلال دعم قوات الدعم السريع، وهو ما اعتبرته الإمارات “حيلة دعائية خبيثة”.
ويعدّ منجم “كوش”، الذي اشترته شركة “إيميرال ريسورسز” الإماراتية عام 2020، أحد أهم مصادر الذهب السوداني.
ووفق مصادر، فإن المنجم، الواقع تحت سيطرة الجيش، ولا يزال يعمل بعد توقفه مؤقتاً مع اندلاع الحرب، حيث ينتج مئات الكيلوغرامات شهرياً.
وعلى الجانب الآخر، تسيطر قوات الدعم السريع على عدة مناجم ذهب في إقليم دارفور والمناطق الحدودية مع جنوب السودان، حيث تهرّب الذهب عبر تشاد وجنوب السودان إلى أوغندا وكينيا، قبل أن يصل إلى الإمارات.
وتقدّر أرباح قوات الدعم السريع من تجارة الذهب بمليار دولار سنوياً، وفق مهندسين سابقين في شركة “الجنيد” المملوكة لعائلة قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وتعدّ الإمارات ثاني أكبر مصدّر للذهب في العالم، متجاوزة المملكة المتحدة منذ 2023، ورغم تأكيدها التزامها بضوابط تنظيم القطاع، تظهر بيانات “سويس إيد” أن صادرات الذهب من دول مثل تشاد إلى الإمارات تفوق بكثير قدرتها الإنتاجية، ما يشير إلى تهريب كميات كبيرة من الذهب السوداني عبر الحدود.
وبينما تواصل الإمارات نفي أي دور لها في تمويل الحرب السودانية، تبقى تجارة الذهب عاملاً رئيسياً يغذي النزاع المستمر، ويؤكد الباحث مارك أومل أن “تتبع الذهب يقودنا لفهم أعمق للحرب في السودان”.