كشفت الجزائر عن سلسلة من الإجراءات الجديدة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في محاولة للخروج من “اللائحة الرمادية” التي وضعتها “مجموعة الإجراءات المالية” (FATF) وتعزيز ثقة المستثمرين.
أطلقت الجزائر حزمة جديدة من الإجراءات القانونية والتنظيمية تهدف إلى تعزيز جهودها في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك في إطار سعيها للخروج من “اللائحة الرمادية” التي وضعتها “مجموعة الإجراءات المالية” (FATF)، والتي تصنف الدول الأقل انخراطاً في الجهود الدولية لمكافحة هذه الأنشطة غير المشروعة.
وتأتي هذه الخطوة في سياق جهود الجزائر لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب، الذين يشترطون توفر بيئة آمنة ومستقرة لاستثماراتهم.
وقد نشر العدد الأخير من “الجريدة الرسمية” مرسوماً وقعه رئيس الوزراء الجزائري، يتعلق بإجراءات تجميد وحجز الأموال في إطار الوقاية من تمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحتهما.
ويهدف هذا المرسوم إلى تعزيز الإطار القانوني الجزائري في هذا المجال، ويعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق الامتثال للمعايير الدولية، مما قد يسهم في تحسين تصنيف الجزائر ضمن اللوائح الدولية.
ويشدد المرسوم الجديد على ضرورة الاستجابة الفورية من المؤسسات المالية للتدابير الواردة فيه، حيث يتطلب تجميد الأموال المتعلقة بالأشخاص والكيانات المشتبه في تورطها في غسل الأموال أو تمويل الإرهاب بشكل فوري ودون إشعار مسبق، بما في ذلك أيام العطل الرسمية.
كما يفرض المرسوم رقابة صارمة على القطاع المصرفي، حيث يلزم البنوك والمهن غير المالية، مثل المحامين ووكلاء العقارات، بالتحقق بشكل مستمر من وجود عملائهم في قوائم العقوبات الدولية، وفي حال اكتشاف أي تطابق، يتم تجميد أو مصادرة الأموال على الفور، مع إبلاغ الهيئات المختصة دون تأخير.
وبالإضافة إلى تجميد الأصول، ينص المرسوم على إنشاء إدارة مركزية للأموال المصادرة، يتم نقلها إلى الخزينة المركزية لضمان تتبعها ومنع أي تحويلات غير شرعية.
ومع ذلك، يسمح النص ببعض المرونة للأشخاص الخاضعين للعقوبات، حيث يمكنهم الوصول إلى موارد محدودة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل السكن والطعام والرعاية الطبية، بشرط الحصول على إذن خاص من وزير المالية والهيئات المختصة في الأمم المتحدة.
كما يفرض المرسوم قيوداً صارمة على أنشطة الأشخاص الخاضعين للعقوبات، حيث يحظر عليهم ممارسة أي نشاط اقتصادي، ويتم إغلاق الفروع التجارية المرتبطة بهم على الفور، بالإضافة إلى سحب جوازات سفرهم ومنعهم من مغادرة الأراضي الجزائرية.
كما يُمنع الأجانب المدرجون في قوائم العقوبات من دخول الأراضي الجزائرية، وتهدف هذه الإجراءات إلى تحييد أي قدرة على التحرك أو التمويل للأفراد المتورطين في تمويل الإرهاب.
ومنذ إدراج الجزائر في “اللائحة الرمادية” في أكتوبر 2024، بذلت الحكومة جهوداً مضاعفة للامتثال للمعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقد تم وضع “خطة عمل وطنية” بالتشاور مع “مجموعة الإجراءات المالية”، مما سمح بتقليص عدد الإجراءات ذات الأولوية من 74 إلى 13 إجراءً فقط.
ويأتي هذا المرسوم بعد إصدار “البنك المركزي الجزائري” لنظام جديد في أغسطس 2024، يهدف إلى تعزيز مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث ألزم البنوك والمؤسسات المالية وخدمات “بريد الجزائر” باتباع إجراءات صارمة، بما في ذلك حظر فتح الحسابات المجهولة أو المرقمة أو تلك التي تحمل أسماء وهمية.
وتعد “مجموعة الإجراءات المالية” منتدى دولياً تم إطلاقه عام 1989، ويضم أكبر اقتصادات العالم، وعلى الرغم من أنها ليست منظمة حكومية دولية رسمية،
إلا أنها تتمتع بدعم “مجموعة العشرين”، مما يمنحها سلطة كبيرة في وضع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتشمل توصياتها تعزيز الشفافية في المؤسسات المالية، ومراقبة المعاملات المشبوهة، وتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الأنشطة الإجرامية.
وتسعى الجزائر من خلال هذه الإجراءات إلى تعزيز ثقة الشركاء الدوليين، وتحسين بيئة الاستثمار، والتصدي للتهديدات الناشئة عن التطورات التكنولوجية الحديثة في مجال الجرائم المالية.