الجزائر اعتمدت قانوناً صارماً لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، يجمع بين الوقاية والردع لتجفيف منابع هذه الآفة التي تهدد الأمن القومي وتستهدف الشباب والأطفال.
ودخل القانون حيز التنفيذ رسمياً عقب نشره في الجريدة الرسمية، في وقت تواجه فيه الجزائر تحديات متنامية في مواجهة شبكات التهريب والاستهلاك المتصاعد للمخدرات والمواد المهلوسة، بما في ذلك الأصناف الاصطناعية الخطرة.
ويتضمن القانون إجراءات جديدة أبرزها إلزامية إرفاق ملفات الترشح لمسابقات التوظيف في الإدارات والمؤسسات العمومية والخاصة بتحاليل طبية تثبت خلو المترشح من تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، وتشمل هذه الإجراءات حتى المسابقات المفتوحة أمام الجمهور.
كما يتيح القانون تنظيم اختبارات دورية داخل المؤسسات التربوية للكشف المبكر عن مؤشرات التعاطي لدى التلاميذ، على أن تُجرى هذه التحاليل بموافقة أوليائهم الشرعيين، بهدف تشخيص حالات الإدمان مبكراً وضمان التكفل العلاجي والنفسي اللازم، دون أي تبعات قضائية أو تأديبية على التلميذ المعني، وينص النص بوضوح على منع استغلال نتائج هذه الفحوص لأي غرض آخر، تكريساً للجانب الإنساني للعلاج والوقاية.
وفي الشق العلاجي، ينص القانون على أن عملية إزالة التسمم تُجرى داخل مؤسسات استشفائية متخصصة أو خارجياً تحت إشراف طبي، ويصدر القاضي المختص أمراً قضائياً يحدد المؤسسة المكلفة بالعلاج وتاريخ الشروع فيه، مع إلزام الطبيب المعالج بإعداد تقارير دورية للقاضي حول تطورات الحالة الصحية للمريض، بما في ذلك إمكانية اقتراح تغيير طريقة العلاج أو مكانه.
وبعد انتهاء فترة العلاج، يخضع الشخص لمراقبة طبية قد تصل إلى عام لضمان استكمال إعادة التأهيل، فيما تلتزم إدارة السجون بمتابعة برامج الإدماج الاجتماعي للمفرج عنهم بعد انتهاء العقوبة، بالتنسيق مع الهيئات القضائية والمؤسسات المختصة.
وأما في جانب العقوبات، فقد شدد القانون العقوبات المقررة للجرائم المرتبطة بالمخدرات، خصوصاً تلك التي تُرتكب قرب المؤسسات التعليمية أو تستهدف القصر وذوي الاحتياجات الخاصة، وتتراوح العقوبات بين السجن لمدة 20 إلى 30 سنة، وصولاً إلى الإعدام إذا ارتُكبت الجريمة داخل أو بجوار مؤسسة تربوية أو تكوينية.
كما ينص القانون على تشديد العقوبات ضد المتورطين في إنتاج أو ترويج “المخدرات الاصطناعية الصلبة”، مثل المواد الكيميائية المركبة أو المهربة، إذ تقضي النصوص الجديدة بتطبيق عقوبة الإعدام إذا كانت العقوبة الأصلية السجن المؤبد، أو السجن المؤبد إذا كانت العقوبة الأصلية ثلاثين عاماً، في سياق تصاعدي يراعي درجة الخطورة.
وفي حال العود، يُطبق الحد الأقصى للعقوبة، حيث يحكم بالإعدام على من سبق الحكم عليه بالمؤبد، وبالسجن المؤبد لمن أدين سابقاً بالسجن المؤقت بين 20 و30 سنة، مع مضاعفة العقوبة للجرائم الأخرى ذات الصلة.
ولا يقتصر القانون على العقوبات السالبة للحرية، إذ يفرض غرامات مالية تصل إلى مليوني دينار جزائري على كل من يساهم في تبرير أو تحويل أو تبييض أموال عائدات تجارة المخدرات، سواء علم بمصدرها غير المشروع أم ساعد في إخفائها.
وخول القانون للجهات القضائية اتخاذ تدابير إضافية، من بينها الغلق المؤقت أو النهائي للأماكن التي ترتكب فيها الجرائم، مثل الفنادق والمطاعم والنوادي، ونشر حكم الإدانة على نفقة المحكوم عليه في الصحف أو تعليقها في الأماكن العامة، بهدف تحقيق الردع المجتمعي.
كما أجاز القانون سحب الجنسية الجزائرية المكتسبة من مرتكبي بعض الجرائم المصنفة ضمن الجرائم الخطيرة المرتبطة بالمخدرات، إضافة إلى منع الإقامة الدائمة في الجزائر على كل أجنبي يُدان في جناية مخدرات، أو منع الإقامة مؤقتاً في حال الإدانة بجنحة.
وبخصوص تتبع شبكات الترويج، يسمح القانون بفتح تحقيقات مالية موازية لتتبع مصادر أموال المشتبه فيهم داخل وخارج البلاد، مع صلاحيات واسعة للحجز التحفظي ومنع السفر حتى صدور الحكم النهائي، وفي بعض الحالات، يُسمح بنشر صور وهوية المتورطين في جرائم مخدرات خطيرة أو في حالة التلبس، حمايةً للأمن العام.
ويتيح القانون تقديم تحفيزات مالية وامتيازات أخرى لكل من يبلغ عن مرتكبي جرائم المخدرات أو يسهم في كشف نشاطهم الإجرامي ووضع حد له.
وفي تصريحات رسمية، أكد وزير العدل أن هذا الإطار القانوني الجديد يمثل نقلة نوعية في مكافحة ظاهرة المخدرات، بفضل موازنته بين الردع الأمني والسياسات الوقائية والاجتماعية، ما يعكس التزام الدولة بتأمين بيئة صحية وآمنة لكافة المواطنين، وبالأخص الشباب، الأكثر عرضة لهذا الخطر.
وتسجل الجزائر تنامياً لافتاً في نشاط شبكات تهريب وترويج المخدرات بمختلف أصنافها، فخلال عام 2024، تمت معالجة أكثر من 130 ألف قضية مرتبطة بالمخدرات طالت نحو 143 ألف شخص، كما ارتفعت الكميات المحجوزة بشكل كبير، إذ ضبطت مصالح الجمارك أكثر من 5.7 أطنان من الكيف المعالج (الحشيش)، إضافة إلى 570 كيلوغراماً من الكوكايين، وحوالي 11 مليون قرص مهلوس.
وسجل الدرك الوطني حجز 26 طناً من الكيف، و147 كيلوغراماً من الكوكايين، وما يقارب 10 ملايين قرص مهلوس، بينما أوقفت وزارة الدفاع 2621 تاجر مخدرات وحجزت 36.8 طناً من الكيف، و631 كيلوغراماً من الكوكايين، إضافة إلى 25 مليون قرص مهلوس.
وتعتبر السلطات الجزائرية أن المغرب يمثل المصدر الرئيس لتهريب الحشيش إلى البلاد، في حين أضحت الحدود الجنوبية الشرقية منفذاً رئيسياً لدخول المؤثرات العقلية بأنواعها، بينما تحولت الحدود الجنوبية إلى أحد أهم المعابر لتسلل المخدرات الصلبة مثل الكوكايين والهيروين، وفق تقارير رسمية صادرة عن الأجهزة الأمنية.
كأس العرب 2025 يشهد غياب نجوم أفارقة.. والمنتخبات تشارك بقوائم بديلة
