الجزائر تواصل جهودها للسيطرة على حريق عنيف اندلع في غابات جعافرة شرقي البلاد، على بُعد 200 كلم من العاصمة، ويعد من أعنف الحرائق في السنوات الأخيرة.
وسارعت وحدات الدفاع المدني مدعومة بوحدات من الجيش ومئات المتطوعين من السكان والشباب إلى مواجهة ألسنة النار التي التهمت مساحات واسعة من الغطاء النباتي وألحقت خسائر مادية معتبرة، في وقت تسابق فيه السلطات الزمن لتفادي امتداد النيران إلى التجمعات السكنية.
وقد دفعت السلطات الجزائرية بتعزيزات كبيرة، شملت إرسال رتل من شاحنات الإطفاء وفرق الدفاع المدني من ولايات مجاورة، إلى جانب نشر وحدات من الجيش في محيط الغابات المشتعلة، بهدف دعم عمليات الإطفاء وتأمين القرى المجاورة، كما انخرط متطوعون من السكان المحليين في دعم جهود فرق الإطفاء، لاسيما في المناطق الوعرة التي يصعب الوصول إليها.
وأظهرت مقاطع مصوّرة نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي هول الحريق واتساع رقعته بسرعة، ما دفع المدير العام للدفاع المدني، بوعلاتك غلاف، إلى الانتقال شخصياً إلى موقع الحريق للإشراف على عمليات المكافحة.
ومن جهتها، استعانت السلطات الجوية بأسطول من عشر طائرات مخصصة لإخماد النيران، ما ساهم في تحقيق تقدم نسبي في احتواء الحريق والحد من خطره على القرى القريبة.
وفي بيان صادر عن مصالح الحماية المدنية بولاية برج بوعريريج، يوم الخميس، أكدت السلطات أن الأولوية القصوى هي “لحماية الأرواح والممتلكات”، مشيرة إلى استمرار العمليات في أعالي الغابات لمحاصرة ألسنة اللهب ومنع امتدادها إلى المناطق السكنية المجاورة.

وتسبّبت النيران في تهديد مباشر لبعض القرى، خاصة تلك المحاذية لغابات جعافرة، وهي منطقة تاريخية وسياحية تشتهر بمعمارها التقليدي ومسجدها المعروف، وأدى الخطر المحدق إلى إطلاق نداءات استغاثة شعبية، دفعت بعدد من المواطنين إلى الانخراط في جهود الإنقاذ والدعم اللوجستي، وأكد الإعلامي المحلي رضوان عثماني في تصريح صحفي، أن عملية إجلاء السكان من القرى القريبة نُفذت بنجاح، حيث تم نقل عدد منهم إلى مركز التكوين المهني في بلدة جعافرة، وأوضح عثماني أنه “لا توجد خسائر بشرية حتى الآن، لكن الخسائر المادية كبيرة”، مبرزاً احتراق مستودعات زراعية وتضرر مساحات من أشجار الزيتون التي تشتهر بها المنطقة.
وفي إطار الدعم الإنساني، تدخلت لجنة الإغاثة التابعة لقدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية لتوفير مساعدات طارئة للسكان، شملت مواد غذائية ووجبات جاهزة ومستلزمات تموينية، بحسب ما أكده المسؤول المحلي للكشافة نبيل رحماني، الذي أشار إلى التحضير لقافلة إغاثة ثانية لتعزيز الجهود الميدانية.
وبالتوازي مع هذا الحريق الضخم، أعلنت هيئة الدفاع المدني أن فرقها تكافح 22 حريقاً آخر في مناطق متفرقة من البلاد، مشيرة إلى استخدام كل الوسائل المتاحة للسيطرة على الوضع، وتأتي هذه الحرائق رغم الإجراءات الوقائية التي اعتمدتها السلطات الجزائرية مع بداية موسم الصيف، إذ منعت وزارة الداخلية التخييم وإشعال النيران في الغابات إلى غاية شهر أكتوبر، كما كثّفت مصالح الغابات من عمليات المراقبة باستخدام طائرات مسيّرة لتفادي أي نشاط قد يؤدي إلى اندلاع الحرائق.
وتلوّح السلطات بعقوبات صارمة ضد المخالفين لهذه الإجراءات، حيث ينص القانون على عقوبات تصل إلى ستة أشهر سجناً وغرامات مالية قد تبلغ 100 ألف دينار جزائري (نحو 400 دولار)، بحق كل من يشعل النار في المناطق الغابية أو بمحيطها، كما يمكن أن تصل العقوبة إلى السجن المؤبد في حال ثبت التورط في إضرام النيران عمداً، خصوصاً في المحميات الطبيعية.
وتأتي هذه الجهود في ظل مساعي حثيثة لتفادي تكرار سيناريو الكوارث البيئية التي شهدتها البلاد بين عامي 2021 و2023، حين أتت الحرائق على أكثر من 100 ألف هكتار من الغابات وتسبّبت بخسائر زراعية وبيئية جسيمة، وفق بيانات رسمية.
وفي ظل هذه الظروف، يبقى الأمل معقوداً على تكاثف الجهود الرسمية والشعبية للسيطرة على الحريق، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الثروات الطبيعية والقرى المهددة، في واحدة من أخطر موجات الحرائق التي عرفتها الجزائر في الأعوام الأخيرة.
الجزائر تحتج على باريس وتنقل سفيرها إلى البرتغال
