أثارت حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية الولاية في طرابلس، عاصفة سياسية وبشكل غير مسبوق في مسار العلاقات الليبية – المصرية، وبشكل يخلق شكوكا حقيقية بشرعية حكومة عبد الحميد الدبيبة.
والتوتر الذي خلقته طرابلس على خلفية استقبال رئيس وزراء المصري مصطفي المدبلوي لرئيس الوزراء المكلف من مجلس النواب، أسامة حماد، تشكل نوعا من الانقلاب على الدور السياسي المصري أكثر من كونها مواجهة داخلية ليبية.
والمؤشرات السياسية على الأخص داخل مجلس الدولة الليبي بدأت من انقلاب الرئيس السابق للمجلس محمد تكالة على اتفاقات القاهرة، والتصعيد الحالي يدخل في إطار كسر التوازنات الإقليمية وعلاقتها مع الحل السياسي للأزمة الليبية.
طرابلس ومسائل الشرعية
رغم أن حكومة الدبيبة تحاول الاستناد إلى واقع دولي يعتبر أن طرابلس تمثل السياسة الخارجية الليبية، لكن الواقع القائم يعطي مسارا مختلفا وذلك مع حالة الفوضى الأمنية التي يعيشها الغرب الليبي عموما، والتناقضات السياسية داخل البنية السياسية في طرابلس يخلق شكوكا في شرعية التمثيل السياسي لحكومة الدبيبة على المستويين الإقليمي والدولي، وردة الفعل العنيفة الحالية تجاه مصر هي نتيجة خوف حقيقي من فقدان طرابلس لثقلها السياسي إقليميا على الأقل.
عمليا، فإن مصر لعبت دورا أساسيا في دعم جهود الاستقرار في ليبيا، حيث تشترك الدولتين بروابط اقتصادية وتقدم الشركات المصرية جهودا في إعادة الإعمار.
ودعمت مصر تقليديا الحكومة في الشرق، واعتبرتها كيانا أكثر استقرارا وشرعية، وخاصة في سياق العنف المستمر ووجود الفصائل المتطرفة في الجزء الغربي من ليبيا، لكن هذا الدعم لم يأخذ منحى تصعيدي حيث بقيت مصر وسيطا بين الطرفين، ورعت العديد من التفاهمات بين الأطراف الليبية.
ويأتي التصعيد الدبلوماسي الحالي بين طرابلس والقاهرة من افتراضات لحكومة الدبيبة بأن الاستقبال تحدٍ مباشر لسلطتها وخرق للمعايير الدولية التي تعترف بحكومة الوحدة الوطنية باعتبارها الحكومة الشرعية لليبيا، وكان واضحا أن الاستقبال يحمل إشارة إلى دعم مصر لمطالبات الحكومة في بنغازي بتوازن سياسي أكثر موضوعية، واعتبار أن الوضع في ليبيا يحتاج لحلول داخلية وليس لنفوذ غربي تعتمد عليه طرابلس لإطالة فترة حكومة الدبيبة.
طرد الدبلوماسيين المصريين
رد طرابلس كان عنيفا حيث اتخذت حكومة الدبيبة خطوة جذرية بطرد العديد من الدبلوماسيين المصريين، بما في ذلك مسؤولي الاستخبارات، من أراضيها، وهذه الخطوة غير مسبوقة وشكلت تدهورا حادا في العلاقات الدبلوماسية.
وأصدرت وزارة خارجية حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بيان إدانة قوي لتصرفات مصر، واتهمت القاهرة بتقويض سيادة ليبيا وُتفاقم الانقسامات الداخلية التي ابتليت بها البلاد، وزعمت الحكومة في طرابلس أن تصرفات مصر لم تكن انتهاكا للسلامة الوطنية الليبية فحسب، بل خروج عن الإجماع الدولي الذي يدعم الدولة الليبية الموحدة تحت قيادة حكومة الوحدة الوطنية.
ويسلط قرار حكومة الوحدة الوطنية بطرد الدبلوماسيين المصريين الضوء على الطبيعة الهشة للبيئة السياسية في الغرب الليبي، فتحدي مصر كجارة قوية وذات نفوذ كبير في السياسة الإقليمية يشكل مخاطرة تفرض على حكومة طرابلس مزيدا من العزلة، فدعم مصر أمر بالغ الأهمية ليس فقط للتعافي الاقتصادي في ليبيا ولكن أيضا للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
بالنسبة لمصر، فإن هذا الخلاف الدبلوماسي سيعقد قليلا منمصالحها الاستراتيجية في ليبيا، فهي استثمرت بشكل كبير في استقرار جارتها الغربية، سواء لتأمين حدودها أو للحفاظ على نفوذها في شمال إفريقيا.
وتهدف مصر عبر دعم الحكومة في بنغازي إلى ضمان بقاء ليبيا دولة مستقرة وصديقة، ولكن طرد دبلوماسييها من طرابلس يحد من قدرتها على التوسط وممارسة النفوذ عبر الطيف السياسي الليبي بأكمله، والتعقيدات التي ستظهر لاحقا ستأتي نتيجة تحالفات حكومة الدبيبة، سوا مع تركيا التي تملك مصالح في الحفاظ على سلطة حكومة الدبيبة، وسيؤدي هذا التطور إلى ترسيخ أعمق للقوى الأجنبية في الشؤون الداخلية الليبية، ما يجعل الحل السلمي للصراع أكثر صعوبة.
وتواجه الحكومة في طرابلس موقفا صعبا فهي أمام تحدي معالجة الشرعية المتزايدة للحكومة في بتغازي، التي تعززت بدعم مصر، فالانقسامات العميقة داخل ليبيا والصراعات الإقليمية الأوسع نطاقا على السلطة والتي لا تزال تؤثر على مستقبل البلاد، لا يمكن حلها عبر التصعيد ضد دول إقليمية فاعلة مثثل مصر، فالرعونة السياسية لحكومة طرابلس تدخل ليبيا في مواجهات عبثية تؤدي لإطالة الأزمة السياسية وتعكس يأسها لتأكيد شرعيتها وسط التحديات المتزايدة من الحكومة الشرقية.
بقلم مازن بلال
نداء عاجل من شقيقة أحمد زكي لاستعادة مقتنياته