19 سبتمبر 2024

جاءت زيارة سيرغي شويغو، أمين مجلس الأمن الروسي، إلى طهران لتؤكد خطورة الوضع الإقليمي، ولتوضح ان ساحة “الشرق الأوسط” ليست مجال نفوذ غربي، فموسكو لها دور أساسي في التهدئة السياسية.

شويغو الذي أكد خلال لقائه الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، على دعم روسيا الكامل لإيران في القضايا الإقليمية، وعلى أهمية التعاون الثلاثي بين إيران وروسيا والصين لتحقيق الاستقرار، فتح مجالاً سياسياً خاصاً لقراءة تسارع الأحداث بشكل مختلف فالحلول السياسية منذ بداية حرب غزة اقتصرت على التفاوض لإطلاق الرهائن الإسرائليين، ولم تتجه نحو إيقاف الحرب التي استجابت واشنطن لها بسرعة، فحشدت قطعها البحرية في شرقي المتوسط منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، بينما بقي موقف موسكو داخل مجلس الأمن لتنسيق الجهود الدولية لوقف الحرب، معتبرة أن قرارات مجلس الأمن يجب أن تضمن وقف الحرب حتى ولو كانت الخطوات الأولى “إنسانية”.

التصعيد والموقف الأمريكي

تبدو الولايات المتحدة متجهة نحو التعامل مع التصعيد في المنطقة كحتمية عسكرية، وذلك بعيداُ عن مساعي الاحتواء التقليدية التي من شأنها أن تدفع باتجاه إنهاء الأزمة دبلوماسياً، وسمح هذا الموقف لإسرائيل التحرك دون قيود في مواجهة ما تراه تهديدات سواء كانت من إيران أو حماس أو حزب الله، وبدت واشنطن في موقع خاص فهناك “خلافات” مع حكومة بنيامين نتنياهو، وفي المقابل فهي لم تبد استعداد للضغط بقوة عليها لوقف الأعمال القتالية، ورغم أن بعض التقارير تحدثت عن الهامش الضيق لقدرة الولايات المتحدة على التحرك نتيجة الاستحقاق الانتخابي فيها، لكن المسألة تبدو أعقد كونها تنطلق من محاولة احتكار أي حل، والسعي لإبعاد القوى الدولية عن المشاركة في التعامل مع هذه الأزمة.

أدى هذا الاحتكار الأمريكي للدخول في فصل جديد من التوتر عبر سياسات الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل في سوريا بداية قبل أن تتنقل إلى إيران ولبنان، فالشكل الذي اتخذه الصراع حمل ثلاثة نقاط أساسية:

  • الأولى مرتبطة بطبيعة الرواية الإسرائيلية لما حدث في السابع من أكتوبر 2023، فالصورة التي تم تبنيها من الغرب قدمت مؤشرات على أن الحرب في غزة ستكون نقطة تحول أساسية في إعادة رسم المنطقة، وطبيعة العنف الذي مارسته إسرائيل لم يكن “انتقاماً” بل استجابة أيضا لنوعية الغطاء الغربي الذي دفع التوتر نحو جبهات جديدة.
  • الثاني أن الحل لأزمة الرهائن الذي يقي محصوراً بين قطر ومصر قلص الغطاء السياسي لحماس على التفاوض، ومع العنف الهمجي الإسرائيلي الممنهج ضد المدنيين بدأت القضية تنزاح باتجاه البعد الإنساني الذي لم تستطع كل الجهود الدولية في إيقاف المعاناة لأهالي غزة، فالمعركة فقدت أي بعد سياسي لتصبح استجابة لما أراده نتنياهو في مسألة “تصفية حماس”.
  • النقطة الثالثة ظهرت مع محاولة إسرائيل كسر معادلة الحرب القائمة بسياسة الاغتيالات التي أرادت منها تعميق الانخراط الدولي عسكرياً على حساب الحل السياسي الذي يتناقض مع أهداف الحرب كما أطلقها نتنياهو، وهي إطلاق سراح الرهائن.

كانت التصريحات من العواصم الغربية تتحدث عن منع الحرب الإقليمية، وتحت هذا الأمر بدت إسرائيل منتصرة على الأقل في تمديد الصراع دون خوف من تدخلات أكثر حدة، سواء من إيران أو حزب الله، لكن الصراع كان يتخذ شكلاً إقليمياً غير معلن مع تمدد رقعة الحرب نحو البحر الأحمر، وممارسة إسرائيل لعملياتها خارج قطاع غزة أو الجبهة اللبنانية.

بدت الزيارات المتكررة لأعلى المسؤولين الأمريكيين إلى إسرائيل كمحاولة ليس فقط لمنع “الحرب الإقليمية”، فإسرائيل وحدها لا تستطيع القيام بهذا الأمر، بل للاستفادة من الاحتمالات التي تتيحها الحرب لتغيير شكل العلاقات في الشرق الأوسط ككل، ورغم أن الموقف العربي بدى مُحرجا في إبداء أي موقف سياسي من حجم العنف الذي استخدمته إسرائيل، لكنه في نفس الوقت كان ينظر إلى إيران كجبهة محتملة خصوصاً بعد أن تم الاعتداء من قبل إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق.

معادلات القوة وسيناريوهات التصعيد

بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في طهران، وقبله بساعات القائد في حزب الله فؤاد شكر  في الضاحية الجنوبية، فإن التصعيد بدأ يأخذ منحى مختلف، فالمخاطر ليست فقط من حرب إقليمية بل من إمكانية اختلال موازن القوى في “الشرق الأوسط ” عموماً، وهذا الأمر تطلب إعادة التنسيق الغربي الذي ظهر عندما ردت إيران على قصف قنصليها في دمشق، وساعد إسرائيل بصد المسيرات، ولكن التحدي الأساسي بعد اغتيال هنية يبدو في البعد الدولي، فما يحدث هو تشكيل جبهة تحاول حصار القوى التي تقف خارج السياق الغربي، وهو ما ينقل مسألة “الحرب الإقليمية” باتجاه دولي.

وفق هذا الاتجاه يمكن النظر من جديد لزيارة شويغو، فما تريده إيران أو أي من دول المنطقة يختلف عن الشكل الأمريكي القائم على البعد العسكري، فسياسة الكرملين في تخفيض التصعيد تأتي عبر التوازن السياسي الذي تفرضه في مواجهة الزخم العسكري الذي تضعه الولايات المتحدة خياراً أساسياً، فالدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، عزز قدرة إسرائيل على مواصلة عملياتها العسكرية دون خوف من تداعيات دولية جادة، فالقوة السياسية للأطراف التي تقع خارج الاتجاه الأمريكي – الأوروبي هي الرهان الأخير لوقف التدهور وإنهاء الحرب التي أدت لنتائج كارثية على أهل غزة بالدرجة الأولى وعلى المنطقة عموماً.

بقلم نضال الخضري

مصر تهدد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل وحماس

اقرأ المزيد