تقرير موسع لـ”إندبندنت” كشف عن توسع غير مسبوق في زراعة القنب الهندي بدارفور منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، حيث تحولت من نشاط هامشي إلى اقتصاد موازٍ يعكس الفوضى الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الإقليم.
وبحسب “إندبندنت”، أسهم اتساع رقعة النزاع في السودان في صعود زراعة البنقو كأحد أسرع الأنشطة نمواً في دارفور، بعد أن وجد مزارعون وتجار، إضافة إلى عناصر من مكافحة المخدرات وعسكريين آخرين، في هذه التجارة بديلاً مربحاً عقب توقف صرف الرواتب في ظل اقتصاد حربي منهك.
وأوضحت الصحيفة أن غياب الملاحقة القانونية والفوضى الأمنية فتحا المجال أمام المروجين والمتعاطين لتوسيع نفوذهم، بل إن بعض تجار المخدرات انضموا إلى القوات المسيطرة لمواصلة نشاطهم تحت حماية السلاح، ما جعل هذه التجارة تزدهر بوتيرة غير مسبوقة.
وأشار التقرير إلى أن مدناً مثل نيالا والضعين تحولت إلى مسارح مفتوحة لعمليات توزيع وتعاطي البنقو، بعدما باتت الظاهرة تُمارس علناً في الأسواق والأحياء المكتظة، في انعكاس مباشر لانهيار منظومة الرقابة الرسمية.
كما اتسعت المساحات المزروعة في الأرياف بصورة مقلقة، حيث تصل أحياناً إلى 50 طناً، ما يؤكد أن النشاط تجاوز الإطار الفردي ليصبح جزءاً رئيسياً من اقتصاد الحرب الذي تعتمد عليه أطراف عدة لتمويل عملياتها.
ووفق “إندبندنت”، تمثل محلية الردوم في أقصى الجنوب الغربي لولاية جنوب دارفور المركز الأكبر والأكثر نشاطاً لزراعة البنقو في السودان، مستفيدة من الغابات الكثيفة والتضاريس الوعرة وتداخل الحدود بين السودان وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
وتنتج الردوم، بحسب التقرير، ما بين 80 و 90% من إجمالي البنقو المستخدم محلياً، في ظل هشاشة الدولة وصعوبة وصول حملات المكافحة السنوية، فيما تشير تقارير عام 2021 إلى أن مساحات المخدرات في جنوب دارفور تتجاوز 34 ألف كيلومتر مربع.
ويبدأ موسم الزراعة عادة في مايو أو يونيو، على أن يُحصَد في أكتوبر أو نوفمبر، وترسل شبكات التجار مناديب إلى الحقول مزودين بالمؤن وأجهزة الاتصال، بينما تُنقل الشحنات بواسطة قوافل الحمير عبر الطرق الوعرة للالتفاف على الرقابة، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار الحمير إلى ما بين 108 و 150 دولاراً.
وبعد عبور مناطق الردوم، تُدفن الشحنات حتى تُنقل بواسطة سيارات الدفع الرباعي إلى أسواق الاستهلاك في الخرطوم وكسلا وبورتسودان، فيما تُهرّب كميات محدودة إلى جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى.
وأكد التقرير أن المخدرات ليست ظاهرة جديدة في السودان، إذ تضرب جذورها في سنوات ما قبل الحرب الحالية، حين ارتبطت بانتشار الفساد الأمني وتمدد شبكات النفوذ الاقتصادي التابعة للنظام السابق.
واستعاد التقرير مرحلة ما قبل انتفاضة 2018، حين ترددت معلومات عن دخول حاويات مخدرات عبر البحر الأحمر بتسهيلات من نافذين في أجهزة الأمن التابعة لحزب المؤتمر الوطني، في إطار نشاط خفي يستهدف الشباب والمجتمع.
وبحسب “إندبندنت”، فإن زراعة وتجارة البنقو في دارفور تحولت خلال العامين الأخيرين إلى ركيزة اقتصادية مركزية للحرب، إذ تضاعفت المساحات المزروعة في الردوم عقب انسحاب القوات الشرطية، فيما تغيّرت طرق التهريب بعد سيطرة قوات الدعم السريع، حيث أصبحت عربات الدفع الرباعي تنقل الشحنات بسرعة وأمان، ما ضاعف حجم التداول، وأشار التقرير إلى أن مدينة الضعين باتت مركزاً ضخماً لتجارة المخدرات، حيث تُباع حبوب الترامادول والبنقو علناً.
وخلص التقرير إلى أن تمدد الحرب وتفكك أجهزة الدولة جعلا من البنقو جزءاً من اقتصاد الظل الذي يغذي النزاع، بعدما أصبح يمثل مورداً مالياً حيوياً للأطراف المتحاربة عبر الإتاوات المفروضة على المزارعين وشبكات النقل والتوزيع داخل السودان وخارجه.
وأكدت الصحيفة أن تفكيك هذه الشبكات واستعادة السيطرة على مناطق الإنتاج سيكون تحدياً هائلاً أمام الدولة في حال عودة السلام، فيما يعني استمرار الحرب اتساع الظاهرة أكثر وتحول البنقو إلى عماد ثابت لاقتصاد الحرب الذي يستنزف السودان اليوم.
قوات الدعم السريع تعلن إنهاء التفاوض وتؤكد التوجه نحو الحسم العسكري في السودان
