البرلمان الفرنسي سحب بشكل مفاجئ، مشروع قرار كان يهدف إلى إلغاء العمل باتفاقية الهجرة الموقعة عام 1968 بين فرنسا والجزائر، والتي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة تتعلق بالإقامة والهجرة والعمل والتجمع العائلي.
وكان من المقرر أن يُناقش القرار ويُعتمَد يوم الخميس، إلا أن الجمعية الوطنية الفرنسية قررت حجب المناقشة في اللحظة الأخيرة، في خطوة لافتة اعتبر مراقبون أنها جاءت لتجنب أي توتر إضافي مع الجزائر قبل أيام من إصدار الحكم القضائي بحق الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، الذي تتبنى باريس قضيته وتطالب بالإفراج عنه.
وكانت مجموعة إريك سيوتي النيابية، المنتمية إلى اتحاد اليمين من أجل الجمهورية، قد قدمت مشروع القرار الذي ينص على أن الوقت قد حان لتكييف المنظومة القانونية للهجرة بما ينسجم مع تطورات العلاقة مع الجزائر، داعية إلى تقييد منح التأشيرات للجزائريين وتعليقها عند الضرورة.
ورغم أن التقديرات كانت ترجح اعتماد القرار داخل البرلمان، فإنه يظل بطبيعته غير ملزم للحكومة الفرنسية، إلا أن مجرد التصويت عليه كان ليحمل رمزية سياسية كبيرة تؤثر في علاقات باريس والجزائر، التي تمر أصلاً بفترة حساسة منذ يوليو 2024.
وخلال جلسة النقاش العام، قال الوزير المنتدب للتجارة الخارجية والفرنسيين في الخارج، لوران سان مارتن، مخاطباً النواب: “أود أن أشيد بموقفكم المسؤول بسحب مشروع القرار، سحب هذا النص قرار مسؤول بالفعل، لأن بعثاتنا الدبلوماسية تعمل جاهدة اليوم لضمان ألا تطغى توترات العلاقات الفرنسية الجزائرية على مسألة الإفراج الفوري عن بوعلام صنصال، وهي مسألة بالغة الأهمية”، وأضاف سان مارتن أن من الضروري تفادي أي تصعيد لفظي أو سياسي قد يعرض هذا الهدف للخطر.
ويكشف هذا الموقف الرسمي عن تدخل سياسي لإقناع الكتلة النيابية بسحب مشروع القرار، ومنع كسر حالة الهدوء النسبي التي بدأت تلوح بين البلدين، في مؤشر على توجه فرنسي نحو التهدئة مع الجزائر، وربما تمهيداً لعودة السفير الفرنسي ستيفان روماتيه إلى الجزائر، بعدما استُدعي للتشاور منذ إبريل الماضي.
ويُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتجنب فيها البرلمان الفرنسي مناقشة أو تمرير مشروع قرار لإلغاء الاتفاقية، إذ سبق ورفض في ديسمبر 2023 خطوة مماثلة وسط أزمة سياسية حادة حينها بين البلدين، لم تبلغ مستوى التعقيد الراهن.
وتُعد اتفاقية الهجرة لعام 1968 من أبرز القضايا الخلافية بين الجزائر وفرنسا، وقد وُقّعت الاتفاقية في 27 ديسمبر من ذلك العام لتسهيل الهجرة الاقتصادية إلى فرنسا تلبيةً لحاجة سوق العمل آنذاك.
وبموجبها، مُنح المواطنون الجزائريون حقوقاً استثنائية في دخول فرنسا دون تأشيرة، وتأسيس نشاطات تجارية، والاستفادة من الحماية الاجتماعية، وتيسير جمع شمل العائلات.
ولكن هذه الامتيازات تقلصت تدريجياً بفعل تعديلات متلاحقة جرت في سنوات 1986 و1994 و2001، أفرغت الاتفاقية من معظم محتواها الأصلي، ومنذ 1986، بات الجزائريون ملزمين بالحصول على تأشيرة للدخول إلى فرنسا، ما جعل تنقلهم خاضعاً عملياً لقواعد اتفاقية شنغن.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد وصف هذه الاتفاقية بأنها “قوقعة فارغة”، في إشارة إلى أن امتيازاتها لم تعد قائمة فعلياً، على الرغم من محاولات بعض الأطراف السياسية الفرنسية توظيفها كورقة ضغط في الأزمات المتكررة مع الجزائر.
ويأتي حجب مشروع القرار الأخير في سياق مساعٍ دبلوماسية فرنسية لتفادي مزيد من التوتر في العلاقة الثنائية، خصوصاً في ظل متابعة باريس لقضية بوعلام صنصال، وما يرافقها من اهتمام سياسي وإعلامي واسع، في وقت تحاول فيه باريس احتواء تداعيات الخلافات العميقة التي تراكمت خلال السنوات الأخيرة.
إيطاليا تعزز التعاون مع الجزائر وتونس وليبيا لمواجهة الهجرة غير النظامية
