تحول سياسي رسمته نتائج الانتخابات البلدية حيث تشير لفوز قوائم المرشحين المتحالفة مع سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وبشكل يطرح أسئلة أمام أي انتخابات رئاسية.
تؤكد الانتخابات أن نفوذ الموالين للقذافي مازال قائما ويهدد أحلام الكثيرين داخل الحكومة المنتهية الولاية في طرابلس، ويطرح تحديات جديدة أمام الانتخابات الوطنية “الكبرى” التي شكلت حالة من عدم اليقين بسبب ترشيح سيف الإسلام، وهو شخصية ستواجه معارضة من قبل الغرب بالدرجة الأولى الذي تدخل عسكرياً لإزاحة والده، وأدخل ليبيا في فوضى سياسية.
والاتجاه الواسع الذي كشفته الانتخابات يوضح أن العملية الديمقراطية لن تسير وفق أهواء الكثيرين، فسنوات الفوضى غيرت الكثير من المعادلات والقناعات داخل الشارع الليبي.
نتائج الانتخابات وعودة القذافي إلى السلطة
حسب نتائج الانتخابات البلدية التي أجريت في 58 بلدية في 16 نوفمبر أن نسبة الإقبال تجاوزت 77%، وهو رقم أشادت به المفوضية الوطنية العليا للانتخابات باعتباره الأعلى في تاريخ المفوضية، وعلى الرغم من النجاح الانتخابي في تعزيز المشاركة المدنية، فالنتائج أثارت جدلاً واسع النطاق بسبب فوز القوائم التابعة للقذافي في البلديات في مختلف أنحاء شرق ليبيا وغربها وجنوبها.
ومن بين القوائم البارزة التي خرجت منتصرة “إعمار” في مصراتة، و”الميزان” في بئر الأشهب، و”سواعد الوطن” في وادي عتبة، وغيرها، وضمنت هذه القوائم بلديات استراتيجية وأكدت على إحياء القاعدة السياسية الموالية للقذافي، وظهرت انتقادات حادة من المعارضين الذين ينظرون إلى اسم القذافي باعتباره قوة انقسامية في المشهد السياسي الهش في ليبيا.
وأن غياب سيف الإسلام القذافي عن الحياة السياسية منذ إطلاق سراحه من الاحتجاز في عام 2017 لم يحد من نفوذه، واكتسب ظهوره من جديد كشخصية سياسية مكانة بارزة خلال محاولته للترشح للرئاسة في عام 2021، ما أدى إلى مزيد من الاستقطاب في المشهد السياسي الليبي.
وكانت الانتخابات البلدية بمثابة اختبار لقدرة ليبيا على إجراء انتخابات نزيهة وشاملة وسط الجمود السياسي المستمر، وجاء انتصار الموالين للقذافي ليغير من طبيعة النظر في المشهد السياسي.
وأن العوامل الأساسية التي تؤثر على الواقع الليبي هي التنافس ما بين الشرق والغرب، ففي طرابلس حكومة انتهت ولايتها، بينما في الغرب حكومة وافق عليها البرلمان، ووسط هذا الصراع فإن العوامل الداخلية ظهرت بقوة مع فوز المناصرين لسيف الإسلام في الانتخابات البلدية الأخيرة، وتبقى الانتخابات الرئاسية نقطة الارتكاز لمختلف القوى على الساحة الليبية.
وإن المشاركة المحتملة لسيف الإسلام في الانتخابات الرئاسية تطرح معضلة جديدة بالنسبة للمصالح الإقليمية والدولية، إضافة لكونها مفارقة هامة في العملية السياسية الليبية، فالتجربة التي خاضتها ليبيا طوال عقد من الزمن وصلت إلى مساحة تحمل أمرين أساسيين:
- الأول أن القوى الدولية لا ترى أي مصالح من انتشار نفوذ سيف الإسلام، فهو لا يعيد فقط ذاكرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسياسة والده فقط، بل يُصعب أيضاً من حركة شبكة حلفائهم المحليين على الأقل في الغرب الليبي، فحتى في حال فشله خوض أي انتخابات رئاسية محتملة فإنه ينقل صورة واضحة لفشل السياسات الغربية في إعادة رسم ليبيا وفق مصالحها وغاياتها.
إن قلق الأوروبيين والولايات المتحدة يفسر إعادة التركيز للمحكمة الجنائية الدولية على قضية سيف الإسلام وإعادة إشعال الدعوات لاعتقاله، حيث أكد كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أن مذكرة التوقيف الصادرة ضده لا تزال سارية، حيث يواجه سيف الإسلام اتهامات بالتخطيط لعمليات قتل واضطهاد خلال ثورة 2011، وهي الأحداث التي أدت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بوالده ووفاته.
- الأمر الثاني مرتبط بالداخل الليبي، فردود الفعل على موقف المحكمة الجنائية الدولية متباينة، فهناك من يرى أن تحقيق العدالة في الجرائم التي ارتكبت أثناء حكم القذافي أمر غير قابل للتفاوض، بينما يتحدث آخرون عن التركيز الانتقائي للمحكمة الجنائية الدولية الذي يقوض المساءلة الأوسع عن الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل مختلفة خلال الصراع الذي دام عقداً من الزمان في ليبيا.
على أرض الوقائع فإن الفصائل على الأخص في غرب ليبيا تنظر إلى سيف الإسلام باعتباره تهديداً محدوداً بسبب حركته المحدودة وعزلته السياسية، لكن قاعدته الواسعة توفر له في جنوب ليبيا درجة من الحماية ومنصة للتأثير،وتجعله شخصية يمكنها التحرك ضمن ظروف خاصة أو على قاعدة شرعية الموالين له ضمن الدوائر الانتخابية التي فازوا بها.
المشهد السياسي في ليبيا
سلطت نتائج الانتخابات البلدية الضوء على الانقسامات العميقة الجذور في ليبيا،وبينت الحنين لعهد القذافي بين قطاعات من السكان، وخاصة أولئك الذين خاب أملهم في الفوضى وعدم الاستقرار في سنوات ما بعد انهيار النظام السابق.
ويتعامل المرشحون المؤيدون للقذافي مع هذا الجانب حيث يحملون معهم وعود استعادة الاستقرار والتنمية الاقتصادية والقيادة القوية، وهي الموضوعات التي تلقى صدى لدى العديد من الناخبين.
الملاحظ في المشهد السياسي العام امتناع عبد الحميد دبيبة، رئيس الوزراء المنتهية الولاية، عن إثارة العداء المباشر للموالين للقذافي، ولكن حكومته تواجه متابعة دولية في أعقاب تسليمها المثير للجدل لضابط الاستخبارات الليبي أبو عقيلة مسعود إلى الولايات المتحدة العام الماضي.
وأما في الشرق الليبي المستقر بشكل عام فإن سيف الإسلام يبقى ضمن المشهد السياسي بغض النظر عن تاريخ والده، فالمؤشرات تحمل واقعية سياسية فهو حليف محتمل ومنافس في نفس الوقت وذلك وفق المسار السياسي الذي يتخذه سيف الإسلام، فطبيعة الاستقرار السائد في الشرق يدفع حكومة بنغازي إلى النظر بحالة أكثر هدوء من الغرب.
الرهانات الدولية والديناميكيات المحلية
جذبت الانتخابات البلدية اهتماماً دولياً كبيراً ورحبت القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بالانتخابات باعتبارها خطوة نحو الديمقراطية، لكنها أكدت على الحاجة إلى انتخابات وطنية أوسع نطاقاً، كما تواصل الأمم المتحدة التوسط بين الفصائل الليبية لإنشاء خارطة طريق للانتخابات.
ولكن الدور المتزايد للجهات الفاعلة الخارجية يعقد المسار السياسي في ليبيا، وفوز الموالين للقذافي في الانتخابات البلدية سيشكل نقطة تحول في الأزمة الليبية، فنجاحهم يعكس إحباط الجمهور من الحالة الحالية للحكم، ويدق ناقوس الخطر بشأن احتمال تغير الخارطة السياسية إذا اكتسب دور سيف الإسلام في السياسة الوطنية زخماً.
مع استعداد ليبيا للمرحلة التالية من الانتخابات البلدية في يناير 2025، يظل الطريق إلى الانتخابات الوطنية محفوفاً بالعقبات، حيث كشفت الانتخابات البلدية، التي أشيد بها باعتبارها معلماً بارزاً للمشاركة الديمقراطية بدون قصد عن هشاشة العملية السياسية في ليبيا التي ترعاها الولايات المتحدة وأوروبا، فعودة ظهور الموالين للقذافي هو تأكيد على الفشل، وسيدفعها لاحقاً لرسم استراتيجية تحاول التحكم بـ”العملية الديمقراطية” كي لا تسير بعكس مصالحها.
بقلم نضال الخضري
مجلس النواب الليبي يطالب حكومة الوحدة الوطنية بخفض التمثيل الدبلوماسي إلى النصف