الاقتصاد الليبي خلال عام 2024 شهد تقلبات كبيرة نتيجة الأزمات السياسية والصراعات بين الأطراف المختلفة، ما أثّر بشكل مباشر على إنتاج النفط، الذي يُعدّ العمود الفقري للاقتصاد الليبي.
وتراجع الإنتاج بشكل حاد في الربع الثالث من العام، حيث انخفض إلى 0.54 مليون برميل يومياً نتيجة أزمة مصرف ليبيا المركزي وإغلاق حقول النفط، ومع ذلك، تعافى الإنتاج تدريجياً ليصل إلى 1.42 مليون برميل يومياً مع نهاية العام، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عقد.
وعزز هذا التعافي الآمال بتحقيق نمو اقتصادي خلال السنوات المقبلة، وسط توقعات بإمكانية زيادة الإنتاج إلى 1.5 مليون برميل يومياً في 2025.
ويمثل النفط نحو 97% من الصادرات الليبية و68% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر 90% من عائدات الضرائب، ما يعكس اعتماداً شبه كامل على هذا القطاع الحيوي.
ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد يجعل الاقتصاد الليبي عرضة لأي هزات تؤثر على صناعة النفط، وفي المقابل، تعاني القطاعات الأخرى من إهمال شديد، حيث لم تتجاوز مساهمة الصناعة التحويلية 4% من الناتج المحلي الإجمالي، والزراعة 2.8% في الفترة بين عامي 2004 و2022.
وتعاني البلاد أيضاً من ارتفاع معدل البطالة الذي بلغ 18.5%، مع تسجيل نسبة كبيرة بين الشباب، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي ظل هذه الأوضاع، شهد الدينار الليبي تراجعاً حاداً في قيمته، ليصل إلى 4.91 دينار مقابل الدولار في السوق الرسمية، نتيجة السياسات غير القانونية التي استنزفت السيولة وأثرت سلباً على الأوضاع المالية.
ورغم هذه الأزمات، تشير التوقعات إلى استقرار معدل التضخم عند 2.6% في 2025، مدعوماً باستقرار أسعار الغذاء العالمية، كما قدّر البنك الإفريقي للتنمية معدل النمو المتوقع للاقتصاد الليبي بـ6.2% في العام نفسه، مستنداً إلى استثمارات إضافية في قطاع النفط والاتفاقيات مع الشركات الأجنبية.
ومع ذلك، حذّر البنك الدولي من استمرار الانكماش بنسبة 2.7% خلال 2024، مشيراً إلى أن مستقبل الاقتصاد الليبي يظل رهينة للوضع السياسي والانقسامات الحادة بين الأطراف المتنازعة.
ويُعد الفساد المستشري بالمؤسسات الليبية أحد أكبر المعوقات أمام تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث أشارت تقارير إلى خسارة ليبيا حوالي 600 مليار دولار منذ عام 2015 بسبب الفساد وسوء الإدارة.
وتعتمد الموازنة الليبية بشكل كبير على نفقات الأجور والدعم، التي تستهلك أكثر من نصف الإيرادات، ما يحد من القدرة على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، وبالإضافة إلى ذلك، أدت العقود الوهمية وسياسات الأمر المباشر والتهريب إلى استنزاف الموارد، ما أعاق جهود الإصلاح وزاد من تدهور الاقتصاد.
ورغم التحسن الأخير في إنتاج النفط، لا يزال الاقتصاد الليبي يعاني من ضعف شديد في الحوكمة وغياب التنويع، حيث يمثل الاعتماد الكلي على النفط تحدياً مستمراً، إذ تبقى أغلب التوقعات الاقتصادية مرتبطة بمستوى الإنتاج وأسعار النفط العالمية.
ويرى مراقبون أن تحقيق تحول اقتصادي حقيقي يتطلب وضع سياسات واضحة لتنويع مصادر الدخل، الاستثمار في القطاعات الأخرى، تعزيز الاستقرار السياسي، ومكافحة الفساد، لخلق بيئة اقتصادية أكثر توازناً واستدامة.
إدانة ثلاثة سفراء ليبيين سابقين ومسؤولين آخرين بالسجن والغرامة