22 ديسمبر 2024

تحمل معاناة الغرب الليبي من عدم الاستقرار وانعدام الأمن مفارقة أساسية؛ فرغم تخصيص مبالغ ضخمة لمختلف الهياكل العسكرية وشبه العسكرية، لا تزال طرابلس والمناطق التابعة لها تشهد تدهورا في وضعها الأمني.

تكشف البيانات الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي الليبي عن أرقام كبيرة تتعلق بالإنفاق الأمني، حيث تم تخصيص ما يقرب من 828.7 مليون دينار ليبي اعتباراً من أغسطس 2024، لرواتب الأجهزة الأمنية التابعة للمجلس الرئاسي ومجلس الوزراء، منها 262.7 مليون دينار للأجهزة الأمنية التابعة لمجلس الرئاسة، ونحو 566 مليون دينار للأجهزة التابعة لمجلس الوزراء.

ولا يقتصر الأمر فقط على الأموال التي تصرف على التشكيلات الأمنية فقط، فوزارتي الداخلية والدفاع، والهيئات التابعة لهما تصل موازنتهما إلى نحو 6 مليارات دينار (تحديداً 5.9887 مليار دينار)، ويمثل هذا المبلغ نحو 17% من إجمالي الرواتب المصروفة حتى أغسطس 2024، حيث حصلت وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها على نحو 2.79 مليار دينار، فيما خصص لوزارة الدفاع 2.37 مليار دينار خلال الفترة ذاتها.

ويوضح الرسمان التاليان تفاصيل موازنة كل وزارة:

نفقات وزارة الداخلية

نفقات وزراة الدفاع

توضح الأرقام السابقة أن حكومة طرابلس تضخ مبالغ ضخمة لكافة التشكيلات الأمنية دون أن يغير هذا الأمر من حالة عدم الاستقرار الذي يعيشه الغرب الليبي، فعلى الرغم من الموارد المالية الهائلة فإن الصراعات المسلحة ونقص السلامة العامة هما السمتان الأساسيتان لكافة المناطق التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطنية المنتهية الصلاحية، وتعود أسباب عدم فاعلية هذه النفقات إلى عدة أمور:

  • الفساد وسوء الإدارة

السمة الأساسية لتشتت الجهاز الأمني في الغرب الليبي هو الفساد الذي يسيطر على كافة مستويات قطاع الأمن، وغالباً ما يختلس المسؤولون والقادة الفاسدون الأموال المخصصة للمعدات والتدريب والعمليات، ما يؤدي إلى هدر الموارد وإحباط الموظفين الشرفاء وتآكل الثقة العامة.

  • التخصيص لأطراف غير مؤهلة

يتم توجيه جزء كبير من الأموال إلى كيانات تفتقر إلى المؤهلات أو التدريب أو الشرعية اللازمة لتوفير الأمن، والعديد من هذه المجموعات هي ميليشيات ومنظمات شبه عسكرية ذات ولاءات وأجندات مختلفة، والاعتماد على مثل هذه المجموعات يقوض إنشاء جهاز أمني متماسك ومهني.

  • تجزئة قوات الأمن

يعتبر وجود هيئات أمنية متعددة ذات مسؤوليات متداخلة ظاهرة تسيطر على الغرب الليبي، وتؤدي إلى الارباك وعدم الكفاءة، وذلك بغياب هيكل قيادة موحد يستطيع التنسيق بين هذه الكيانات، ما يقلل من فعاليتها في الحفاظ على القانون والنظام.

الفساد والتبعية

إن الفساد في قطاع الأمن في الغرب الليبي ليس قضية معزولة عن باقي المسائل في حكومة طرابلس، بل يشكل نمطاً عاماً ينتشر داخل مؤسسات الدولة المختلفة، وهو ما جعل الإنفاق المفرط على الأمن قاعدة لظهور شبكة فساد فالاعتماد على الميليشيات أدى إلى حالة عدم استقرار مدعومة من الحكومة، حيث تعمد المجموعات المسلحة إلى خلق مراكز قوى سياسية؛ تؤثر على القرارات الحكومية وفي نفس الوقت تحمي المجموعات المسلحة وتجعلها فوق شرعية الدولة.

ما يحدث عملياً أن الأجهزة الأمنية مرتبطة بشكل وثيق مع حالة الفساد داخل الحكومة، ويؤدي هذا إلى استنزاف الموارد وعدم تخصيص ميزانيات لقطاعات حيوية أخرى، مثل الرعاية الصحية والتعليم وغيرها، كما يساهم سوء إدارة الأموال في عدم الاستقرار الاقتصادي والتضخم وعجز الميزانية المتزايد، ويقدم التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، ما تواجهه ليبيا من تحديات اقتصادية، بما في ذلك ارتفاع مستوى الإنفاق العام الذي لا يمكن تحمله في الأمد البعيد، حيث يؤكد التقرير على الحاجة إلى الإصلاحات المالية والحوكمة الأفضل لمعالجة هذه القضايا.

الفساد ومسألة البنك المركزي

تنقل أزمة البنك المركزي الأخيرة صورة واضحة عن طبيعة الفساد، حيث أدى النزاع حول إدارته وبدعم من الميلشيات التي اختطفت بعض الموظفين إلى عدم الاستقرار المالي، وأوضحت الأزمة حالة الافتقار إلى الشفافية، وكشفت الاتهامات بالتحويلات المالية غير المصرح بها الضوء على القضايا العميقة الجذور داخل نظام الحوكمة المالية، لكن ما حدث في البنك المركزي لا يشكل حدثاً خاصاً داخل مؤسسات الحكومة في طرابلس، ففي عام 2019 خصصت الحكومة 40 مليون دينار لوزارة الدفاع، وقدمت مكافآت للجنود خلال المواجهات بين الشرق والغرب الليبيين، لكن تفاصيل هذا الإنفاق العسكري كانت غير واضحة، ما أثار مخاوف بشأن الرقابة والمساءلة.

عملياً فإن الإنفاق الأمني ​​المفرط وسوء الإدارة العميقة أدى إلى تآكل الثقة العامة، على الأخص مع إداراك المواطنين أن الأموال العامة تُهدر أو تُسرق، وأن سلامتهم تبقى مهددة، فالافتقار إلى الأمن يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، بما في ذلك النزوح والاتجار بالبشر وانتهاكات حقوق الإنسان، لكن النتيجة السياسية تبقى الأخطر حيث يعيق الفساد وقوات الأمن المجزأة الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية والوحدة، ويطيل أمد الانقسام والصراع في البلاد.

بقلم نضال الخضري

ميلوني تهاجم “سي ووتش” وتدافع عن سياسات إيطاليا في إدارة الهجرة

اقرأ المزيد