منعت الإمارات دخول شحنة من النفط السوداني، في أول خطوة لتنفيذ الحظر المفروض منذ أغسطس، وأدت هذه الخطوة إلى إعادة توجيه الشحنات إلى أسواق جديدة مثل الصين وإيطاليا، وأصبح النفط السوداني خاضعاً لتقلبات الأسعار بسبب الإغلاق المفاجئ.
قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بمنع دخول شحنة من النفط الخام السوداني إلى موانئها، في خطوة عملية أولى لتنفيذ قرار الحظر الذي أعلنته الإمارات في بداية شهر أغسطس من العام الجاري.
ووفقاً للتفاصيل، فإن سفينة واحدة على الأقل محملة بالنفط الخام السوداني قد مُنعت من الرسو في الموانئ الإماراتية، وقد يدفع هذا المنع السفينة إلى تغيير مسارها وتفريغ حمولتها في موانئ سنغافورة كبديل.
وتشير هذه التطورات إلى أن الحظر الذي فرضته الإمارات على الشحنات النفطية القادمة من السودان قد بدأ يُحدث تأثيراً ملموساً على تدفقات النفط الطبيعية.
ومن المتوقع أن يتسبب هذا الحظر في إحداث اضطرابات ملحوظة في أنماط التجارة العالمية للنفط، مما اضطر تجار النفط إلى القيام بإعادة هيكلة سريعة لمسارات شحن النفط، والسعي بشكل عاجل لإيجاد أسواق بديلة يمكنها استيعاب الصادرات النفطية السودانية.
وكشفت المعلومات عن تفاصيل حالة ناقلة النفط المسماة “بولا” (Pola)، وهي ناقلة من الطراز المعروف باسم “سويزماكس” (Suezmax)، والتي تحمل على متنها ما يقارب 80 ألف طن، أي ما يعادل 568 ألف برميل، من خام “مزيج دار” المنتج في جنوب السودان.
وتنتظر الناقلة حالياً قرب ميناء الفجيرة الإماراتي، دون أن تتمكن من تفريغ حمولتها، منذ أن وصلت قبل أسبوع قادمة من مرسى “بشاير” الواقع بالقرب من ميناء بورتسودان السوداني.
ووفقاً لما نقلته وكالة “بلومبرغ” الإخبارية عن مصادر من تجار السوق، فإن السفينة “بولا” التي كانت قد رست آخر مرة قبالة سواحل منطقة صحار في سلطنة عمان، والتي تبعد حوالي 100 كيلومتر عن الفجيرة، هي سفينة مستأجرة من قبل مجموعة “فيتول” (Vitol) العالمية المتخصصة في تجارة السلع والطاقة.
يأتي هذا الحظر في سياق سياسي متوتر، حيث قام السودان مسبقاً بقطع علاقاته الدبلوماسية مع دولة الإمارات، متهماً إياها بتقديم الدعم العسكري وتسليح قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، التي تخوض حرباً ضارية استمرت لمدة عامين ضد الحكومة السودانية التي يدعمها الجيش النظامي.
وكانت الإمارات قد أصدرت توجيهاً رسمياً في وقت سابق من شهر أغسطس الجاري، عبر مجموعة موانئ أبوظبي، يمنع كافة الموانئ الإماراتية من التعامل مع أي شحنات متجهة إلى ميناء بورتسودان أو قادمة منه.
وفي ضوء هذا الحظر، يشير تجار على اطلاع دقيق بالسوق إلى إمكانية إعادة توجيه شحنة الناقلة “بولا” نحو منطقة مضيق سنغافورة، خاصة وأن مراكز التوزيع في جنوب شرق آسيا تتمتع بمرافق متطورة لتزويد السفن بالوقود والخدمات اللوجستية الأخرى.
ويجدر الذكر أن نفط “مزيج دار” يصنف ضمن فئة النفط الخام عالي الجودة ومنخفض محتوى الكبريت، ويتم إنتاج هذا النفط في حقول جنوب السودان، ثم يشحن عبر الأراضي والأنابيب في السودان المجاور ليتم تصديره إلى الأسواق العالمية.
وبحسب البيانات من شركة “كبلر” المتخصصة في رصد حركة الناقلات، فإن شحنات خام “مزيج دار” خلال الشهرين الماضيين تم تسليمها إلى أربع وجهات فقط حول العالم، وهي: الإمارات العربية المتحدة، سنغافورة، ماليزيا، وإيطاليا.
وقبل فرض الحظر الحالي، كانت نسبة تتراوح بين 40% إلى 45% من إجمالي صادرات السودان النفطية تتجه بشكل روتيني إلى مصافي التكرير في الإمارات.
وقد خلق هذا الاعتماد الكبير وضعاً يجعل الصناعة النفطية السودانية هشة وضعيفة أمام أي تغييرات مفاجئة في السياسات أو العلاقات.
وقد ساهمت المواصفات والخصائص النوعية المتميزة للنفط الخام السوداني في جعل مصافي الإمارات الوجهة الأمثل والمعالجة الطبيعية لهذا النوع من الخام.
وتظهر الأرقام التفصيلية أنه في شهر يونيو/حزيران من عام 2025، استقبلت الإمارات كمية مقدارها 71.67 ألف برميل يومياً من النفط السوداني، من إجمالي صادرات سودانية بلغت 185.73 ألف برميل يومياً خلال ذلك الشهر.
وبشكل إجمالي، استوردت الدولة الخليجية ما يقارب 32.26 ألف برميل يومياً من النفط الخام السوداني، من إجمالي صادرات بلغت 147.52 ألف برميل يومياً.
وتشير البيانات إلى أن الإمارات لم تستقبل أي شحنات نفطية من السودان منذ بداية شهر أغسطس الجاري بعد تطبيق الحظر.
وواجه تجار النفط الإغلاق المفاجئ لسوق الإمارات أمام النفط السوداني بتطبيق عدة استراتيجيات تكيفية ذكية، منها:
1. التحول نحو السوق الآسيوية: حيث يتم إعادة توجيه كميات كبيرة من النفط الخام التي كانت معدة أصلاً للمصافي الإماراتية نحو المصافي المستقلة في الصين، والتي أبدت استعدادها لاستيعاب كميات إضافية من البراميل السودانية.
2. استغلال فرص البحر الأبيض المتوسط: حيث قامت مصافي النفط في عدد من الدول الأوروبية، ولا سيما في إيطاليا واليونان، بزيادة مشترياتها من النفط السوداني، مدفوعة بالخصومات السعرية الكبيرة التي تجعل هذه البراميل جذابة من الناحية الاقتصادية.
3. اللجوء إلى عمليات المزج: حيث يقوم بعض التجار بمزج النفط السوداني مع أنواع أخرى من الخام أثناء وجوده في ناقلات بحرية، بهدف إنتاج “مزيج جديد” يصدر بشهادات ومنشأ مختلف، مما يسهل عملية بيعه في أسواق جديدة.
4. اعتماد حلول التخزين المؤقت: مع ارتفاع الطلب على التخزين العائم، حيث يلجأ التجار إلى الاحتفاظ بالبضائع في ناقلات راسية في البحر أثناء استمرار مفاوضاتهم لإيجاد وجهات بيع بديلة أو في انتظار تحسن الظروف السوقية.
وأدت هذه التعديلات الجذرية والسريعة إلى إعادة ترتيب معقدة لخريطة تدفقات النفط الخام العالمية، وكان لهذه التحولات آثار جانبية واضحة على أسعار تأجير الناقلات (أجور الشحن) وعلى هوامش الأسعار (الفروق السعرية) بين النفط الخام في مختلف المناطق الجغرافية، وفقاً لما أفادت به منصة “ديسكفري ألارت” (Discovery Alert) المتخصصة.
منذ انطلاق عام 2025، سجلت الصادرات النفطية المشتركة للسودان وجنوب السودان أعلى مستوياتها في شهر يونيو، حيث بلغت 185.73 ألف برميل يومياً، في المقابل، سجلت الصادرات أدنى مستوى لها في شهر فبراير، حيث لم تتجاوز 64.31 ألف برميل يومياً.
وحتى التاريخ الحالي من شهر أغسطس الجاري، بلغ إجمالي الصادرات النفطية حوالي 164.75 ألف برميل يومياً، مسجلة ارتفاعاً ملحوظاً مقارنةً بيوليو بأكمله، والتي بلغ خلالها الإجمالي 147.52 ألف برميل يومياً، وذلك بحسب أحدث البيانات المتوفرة.
وحتى أغسطس 2025، تصدرت ماليزيا قائمة أكبر الدول المستوردة للنفط السوداني، بإجمالي استيراد بلغ 453.52 ألف برميل يومياً.
وجاءت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية، حيث بلغ إجمالي ما استوردته 237.4 ألف برميل يومياً (معظمه قبل الحظر)، واحتلت إيطاليا المرتبة الثالثة باستيراد قدره 109.07 ألف برميل يومياً، في حين حلت سنغافورة في المرتبة الرابعة بإجمالي 79.44 ألف برميل يومياً، وجاءت الصين في المرتبة الخامسة بحجم استيراد بلغ 21.43 ألف برميل يومياً.
المغرب يستورد 31 ألف طن من القمح الروسي وسط تراجع الصادرات العالمية
