05 ديسمبر 2025

لم تعد جماعة الإخوان المسلمين في السنوات الأخيرة مجرد حركة سياسية متراجعة أو تيار فكري يبحث عن دور في عالم متغيّر، بل تحوّلت إلى شبكة متداخلة من المصالح والأنشطة التي تثير استياءً واسعاً على المستويات الإقليمية والدولية.

من فضائح التمويل المشبوه وسرقة أموال المساعدات المخصصة للفلسطينيين، إلى توظيف الأزمات الاجتماعية والبيئية في تونس، مروراً بتصرفاتها المالية في أوروبا، ووصولاً إلى صفقات التمويل المريبة في ليبيا؛ تبدو الجماعة اليوم وكأنها تحاول البقاء بأي ثمن، حتى ولو على حساب الشعوب التي تدّعي الدفاع عنها.

استغلال المآسي الإنسانية في فلسطين

تُعدّ قضية سرقة أموال التبرعات المخصصة لغزة من أبرز الفضائح التي كشفت عن البنية المالية المظلمة لجماعة الإخوان، فبحسب تقارير صحفية عربية ودولية، واعترافات شخصيات مقربة من حركة حماس نفسها، استولت مؤسسات مرتبطة بالإخوان، من بينها جمعية “وقف الأمة” في تركيا، على مئات ملايين الدولارات التي جُمعت باسم دعم الشعب الفلسطيني.

وتحدث الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، ماهر فرغلي، عن سرقة نحو نصف مليار دولار في حملة واحدة، في حين أكدت تقارير أخرى وجود صراع مالي حاد بين قيادة الإخوان الدولية وأفرعها المحلية حول آلية توزيع هذه الأموال.

هذه الحادثة لم تكن مجرد واقعة فساد عابرة، بل كشفت عن نمط هيكلي في سلوك الجماعة، التي استخدمت القضايا الكبرى من فلسطين والأقصى ومعاناة اللاجئين، كوسائل لجمع التمويل وتبييض الأموال، ومع تراجع مواردها بعد سقوط حكمها في مصر وعدد من الدول العربية، لجأت إلى تحويل العمل الإنساني إلى واجهة مالية تتيح لها الاستمرار.

المفارقة أن “نيويورك تايمز” نشرت في يوليو الماضي تقريراً يفيد بأن الجيش الإسرائيلي نفسه لم يجد أدلة على سرقة حماس للمساعدات الأممية، ما يعني أن بعض المؤسسات الإخوانية العاملة في الخارج كانت المتورط الفعلي في تحويل وجهة الأموال الإنسانية، وليس الحركة الفلسطينية ذاتها.

توظيف الأزمات الاجتماعية في تونس

في تونس، حيث تعيش البلاد أزمة اقتصادية خانقة، حاولت جماعة الإخوان ممثلة في حزب النهضة استعادة نفوذها من خلال اختراق الاحتجاجات الاجتماعية، كما حدث مؤخراً في قابس، فبعد أن خرج الأهالي احتجاجاً على التلوث الناتج عن المجمع الكيميائي في “غنوش”، اتهم الرئيس قيس سعيد الجماعة بمحاولة تأجيج الأزمة وتحويلها إلى صدام سياسي.

سعيد تحدث بوضوح عن “لجان إلكترونية” تعمل على تضخيم الأحداث ونشر الأكاذيب لإضعاف الدولة، مؤكداً أن تونس تخوض “حرب تحرير على كافة الجبهات”.

من جانب آخر أعتبر مراقبون محليون أن حركة النهضة التي تراجعت شعبيتها بشكل غير مسبوق منذ 2021، تحاول العودة إلى المشهد عبر استغلال القضايا البيئية والاجتماعية كوقود سياسي، في محاولة يائسة لإعادة إنتاج خطاب المظلومية، بعد أن فقدت الجماعة حاضنتها الشعبية والمؤسساتية.

كما كشفت منظمة “أنا يقظ” التونسية عن تجاوزات في جمع التبرعات لصالح فلسطين، مشيرة إلى وجود شبهات سوء تصرف وفساد في الهلال الأحمر التونسي، وبعضها له صلة بجهات قريبة من التيار الإخواني، وهذا التشابك بين العمل الخيري والسياسي يعيد إنتاج النموذج نفسه الذي اتُّهمت به الجماعة في دول أخرى.

تمدد خفي في السودان

التحركات الأخيرة في السودان تشير إلى محاولات الجماعة استغلال الفوضى السياسية هناك للعودة إلى الواجهة، فوفق تقارير متقاطعة، يسعى عناصر من الإخوان إلى التقرب من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وتقديم أنفسهم كحليف محتمل في مواجهة الدعم السريع، في مسعى لإعادة تأسيس نفوذهم القديم الذي فقدوه بعد سقوط نظام البشير.

وهذه المحاولات جزء من استراتيجية “العودة عبر الثغرات”؛ والنفاذ إلى الأنظمة المأزومة عبر خطاب الدعم والمشورة، مستغلين هشاشة المرحلة الانتقالية وتعدد الولاءات داخل المؤسسة العسكرية.

الفساد في أوروبا – نموذج السويد

في السويد، حيث تفخر الدولة بأعلى معايير الشفافية والمساءلة، كشفت صحيفة “إكسبريسن” عن فضيحة مالية ضخمة تورطت فيها شبكة أئمة مرتبطة بالإخوان؛ اختلست ما يزيد على 100 مليون دولار من أموال التعليم والرعاية، واستخدمت هذه الشبكة المدارس ورياض الأطفال كغطاء لتحويل الأموال إلى حسابات شخصية وجماعات متطرفة خارج البلاد.

ووصف المدعي العام السويدي القضية بأنها “خسارة مزدوجة”، فالمال العام يُنهب، والخدمات الاجتماعية تتراجع، حيث أظهرت التحقيقات أن بعض المتورطين استخدموا الأموال في أنشطة غير قانونية، بما في ذلك تمويل أحزاب في الصومال، ما يجعل من هذه الفضيحة أكبر قضية فساد في قطاع التعليم الخاص في تاريخ البلاد.

ليبيا – التمويل كأداة نفوذ

في ليبيا، يتجلى النفوذ غير المباشر للإخوان من خلال الدور القطري المتزايد في تمويل بعثة الأمم المتحدة، فالاتفاق الذي وُقّع بين الدوحة والبعثة لدعم “الحوار السياسي” أثار موجة رفض واسعة، خصوصاً من حكومة بنغازي التي رأت فيه تجاوزاً للسيادة الوطنية وخرقاً لمبدأ الحياد الأممي.

ليست صدفة أن تكون قطر، الحليف التقليدي لجماعة الإخوان، الممول الرئيس لهذه المبادرة، فالرعاية المالية للحوار السياسي من طرف منحاز يعيد طرح سؤال أعمق، فهل أصبح المال السياسي وسيلة لتدويل القرار الوطني؟ فالتمويل القطري يُقرأ كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة تمكين التيارات الإخوانية في المنطقة من خلال البوابة الدبلوماسية.

شبكة بلا مركز، وأزمة بلا نهاية

ما يجمع بين هذه الوقائع من غزة إلى قابس، ومن الخرطوم إلى استوكهولم وطرابلس، أن جماعة الإخوان لم تعد كياناً سياسياً متماسكاً بقدر ما صارت منظومة مصالح متشابكة، تُعيد إنتاج نفسها عبر الخطاب الديني والعمل الخيري، لكنها في جوهرها تتحرك بدوافع مالية وسياسية محضة.

فقدت الجماعة منذ سنوات مشروعها الفكري، وتحولت إلى شبكة تتغذى على الأزمات وتعيش على المآسي، سواء كانت بيئية أو إنسانية أو سياسية، وما يثير الاستياء ليس فقط حجم التجاوزات والفساد، بل قدرة الإخوان على التكيّف مع المتغيرات، مستفيدين من ثغرات النظام الدولي، ومستخدمين أدوات الديمقراطية نفسها لتقويضها.

يبدو أن الإخوان، الذين وُلدوا من رحم الوعظ الديني قبل قرن، دخلوا اليوم مرحلة الشيخوخة السياسية، لكنهم ما زالوا يمارسون الحيلة القديمة ذاتها؛ رفع شعارات المظلومية لتمويل مشاريع الهيمنة.

بقلم: نضال الخضري


مواضيع متعلقة: قطر والأمم المتحدة في ليبيا: تمويل مشبوه أم تغوّل على السيادة؟

 

السودان.. قوات الدعم السريع تكشف عن أسرى مصريين

اقرأ المزيد