22 نوفمبر 2024

شكل الظهور المكثف للإخوان المسلمين بعد سقوط مبنى الإذاعة في أم درمان جملة من الأسئلة حول عودتهم السياسية بعد سقوط نظام عمر البشير.

وبدا لافتا استعجال “كتائب البراء بن مالك” إعلان النصر، رغم أن المعارك كانت مشتعلة على طول السودان وليس فقط في أم درمان، واستعادة الجيش السوداني لمقر الإذاعة والتلفزيون تمت إحاطته برمزية خاصة، حمل فيها الظهور المكثف للقادة العسكريين والسياسيين المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين العديد من المؤشرات، فكتيبة “البراء” المرتبطة بـ”قوات الدفاع الشعبي” تأسست عام 1989، وتضم مجموعات مسلحة إسلامية قاتلت إلى جانب الجيش في مناطق متعددة.

وفي عام 2020أعلن الجيش حل “الدفاع الشعبي” وتحويلها إلى قوات احتياط تابعة لوزارة الدفاع، لكن هذا الأمر لم يعطل الشبكة التي عمل الإسلام السياسي على بنائها.

صورة أولية                          

قدم تنظيم الإخوان دعما سياسيا وإعلاميا للجيش السوداني منذ بداية المواجهات في أبريل من العام الماضي، وشكلت كتيبة “البراء” نموذجا من مشهد متشابك بين الإسلام السياسي والصراع في السودان، وتوضح الأحداث التي رافقت هذه المجموعة أنها منخرطة بقوة في الحرب إلى جانب الجيش، فقائدها الحالي “المصباح أبو زيد طلحة إبراهيم”، تولى القيادة بعد مقتل “محمد الفضل” واعتقال “أنس عمر” من قبل قوات الدعم السريع.

ويظهر ارتباط واضح بين “كتيبة بن البراء” وحزب المؤتمر الوطني” المنحل، وذلك وفقاً لتحليل البيانات التي تصدر عن المواقع الإسلامية السودانية.

وفي المقابل فإن المنابر الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان بدأت بتمجيد دور من يسمونهم بـ”المجاهدين”، وكوادر الحركة الإسلامية في الصراع وفي معركة أم درمان تحديدا، وأشار بعض المحللين عبر منصات التواصل إلى أن سقوط مبنى الإذاعة والتلفزيون هو بداية عودة حركة الإخوان إلى السلطة، وهو مؤشر إلى التلويح بنهاية دور الأحزاب السياسية التي قادت التغيير منذ عام 2019 بعد الإطاحة بحكم الإخوان الذي استمر ثلاثة عقود، ويعزز من هذا الأمر التصريحات المنسوبة إلى علي كرتي، الأمين العام للحركة الإسلامية، حيث رفض فيها بشكل قاطع أي وقف لإطلاق النار أو حلول تفاوضية، بشكل يؤكد الأبعاد السياسية العميقة بين العمليات العسكرية للجيش وموقع الإسلام السياسي في المشهد السوداني.

الجيش والإسلام السياسي

وفق ديناميكية الجيش السوداني فإن تطور الحرب دفعته إلى إدخال الحركات المسلحة إلى جانب القوات النظامية، ولم يكن هذا الأمر صعبا نظرا لتاريخ الجيش مع الحركات الإسلامية التي اتخذت شكلا خاصا مع انقلاب عام 1989، بقيادة الجنرال عمر البشير، حيث لعبت الجبهة دورا حاسما في تنظيم الانقلاب، ومزجت النشاط الإسلامي مع القوة العسكرية، مما أدى لظهور نموذج في الحكم يدمج المبادئ الإسلامية بشكل عميق مع وظائف الدولة، والجبهة في الأساس ظهرت من كوادر حركة الإخوان المسلمين، واستقطبت بعض القوى الإسلامية في السودان لتكوين جبهة واحدة ضد الأحزاب الأخرى، واتخذت ديناميكية مختلفة عن إرث حركة الإسلام السياسي عبر شبكة علاقاتها داخل الجيش والسلطة الحاكمة.

وخلال حكم عمر البشير تم اعتماد برنامج شامل للأسلمة، وقامت الجبهة الإسلامية، مستفيدة من نفوذها داخل المؤسسة العسكرية، بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتعريب التعليم، وتأسيس نظام اقتصادي إسلامي.

وكما وسهل دعم الجيش ترسيخ قيم الحركة الإسلامية داخل نسيج الدولة والمجتمع السوداني، وتلعب الإستراتيجية الإعلامية لجماعة الإخوان دورا محوريا، وتشمل شبكتهم الواسعة مواقع إلكترونية وقنوات تلفزيونية واستثمارات كبيرة في شركات متخصصة في نشر الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتهدف هذه الجهود إلى التأثير القوي على الرأي العام.

وتجسد العلاقة بين الحركة الإسلامية والجيش السوداني تفاعلا معقدا بين الأيديولوجيا والسلطة، وتحاول تشكيل الصراعات الحالية في السودان وفق معادلة تعود إلى مرحلة النظام السياسي للرئيس السابق عمر البشر.

الإخوان.. الشبكة المعقدة

لا يمثل الإسلام السياسي عموما وحركة الإخوان المسلمين على وجه التحديد ديناميكية سياسية سودانية فقط، فهو بناء متشابك مع السياسات الإقليمية والدولية أيضا نظرا للترابط مع مساحة الإسلام السياسي عالميا، فحتى إطار التحالفات الإقليمية تظهر وفق حركة الإسلام السياسي بين طرفي الصراع في السودان، ويبدو ذلك واضحا من خلال التقارير التي تتحدث عن دعم الإمارات، عبر سياستها المناهضة للإسلام السياسي، لقوات الدعم السريع، بينما تدعم تركيا الجيش حيث تحدثت عدة تقارير عن مسيرات تركية تم إرسالها للجيش السوداني، وساهمت بشكل مباشر في تحقيق نجاحاته في معارك أم درمان.

وفي المقابل فإن حركة الإخوان تعتمد على شبكات مالية وإعلامية وعسكرية دولية، وأسست على مدى ثلاثة عقود علاقات واسعة مترابطة مع مراكز القرار السياسي إقليميا وحتى دوليا، حيث بدأت كشبكات صغيرة ولكنها توسعت داخل الجيش وقوات الأمن، وأثار سقوط البشير تساؤلات حول مستقبل الحركة الإسلامية في السودان، لكن الحرب الدائرة اليوم توضح أن الحركة تشكل عاملا هاما ليس في المعارك بل أيضا في رسم مساحة علاقات الجيش على المستوى الإقليمي.

وربما يأتي التصعيد الأخير ليطرح مفارقة الاستقرار السوداني، حيث يلعب الإسلام السياسي دورا أساسيا في التناقضات القبلية وحتى الدينية، فمنذ أول انقلاب للإخوان عام 1959 وذلك بعد ثلاث سنوات فقط من حصول السودان على استقلالها من الحكم البريطاني، بقيت محاولات تأثيرهم على المشهد السوداني المضطرب، ورسمت معها خطوط التدخلات الإقليمية والدولية، فالإسلام السياسي في النهاية هو صورة لجبهات واسعة لا تنحصر ضمن الحدود السياسية للسودان بل تشمل امتدادات مختلفة داخل شبكة المصالح الدولية.

بقلم نضال الخضري

السودان.. “اليونسكو” تدعو إلى حماية مواقع التراث العالمي في جزيرة مروي

اقرأ المزيد