22 نوفمبر 2024

أصدرت هيئة الأوقاف التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية في العاصمة الليبية طرابلس فتوى كفرت ضمنيا أتباع المذهب الإباضي الذي يعتنقه جل المكون الأمازيغي في البلاد.

وأشعلت الفتوى الصادرة عن هيئة الأوقاف في طرابلس، جدلاً دينياً واسعاً هو الأول من نوعه منذ إنهاء تنظيم “داعش” وتوقف الفتاوى التكفيرية التي تسببت في إزهاق أرواح الآلاف بين عامي 2013 و2018.

وتزامنت الفتوى مع توتر العلاقة بين حكومة عبدالحميد الدبيبة وأمازيغ الغرب الليبي بسبب الخلاف على تولي زمام السيطرة بمعبر رأس أجدير الحدودي، ما دفع أطرافاً كثيرة إلى وصف هذه الفتوى بـ”السياسية”، ويمكن أن تفتح الباب لاضطهاد كبير للمكون الأمازيغي بذرائع دينية.

وتشكل الأحداث المتلاحقة بشان الأمازيغ مشهداً جديداً بالنسبة للوضع الليبي، فهي تخلق توترات تعقد من أفق الحل وتزيد من المشاحنات المذهبية التي شهدتها ليبيا في السنوات الأخيرة، ورغم أن الفتاوى الصادرة مؤخراً بخصوص الأمازيغ لم تأخذ سمة رسمية من قبل الحكومة في الغرب الليبي، لكنها في نفس الوقت فتحت باباً سياسياً على التناقضات داخل المجتمع، وانعكاس هذا الأمر على المستوى العام، ما يجعل التوافقات السياسية أصعب ويزيد من المشاحنات العسكرية خصوصاً في مناطق تواجد الأمازيغ.

خلفيات أساسية:

يعتبر الأمازيغ ضنت التصنيف المعاصر من الشعوب الأصلية في شمال إفريقيا، وتاريخهم في ليبيا يمتد إلى آلاف السنين، ويتركزون في ليبيا بشكل أساسي في المناطق الجبلية مثل جبل نفوسة، وفي المدن الساحلية مثل زوارة، كما يعيشون في مناطق أخرى مثل الجنوب الليبي وفي بعض المناطق الحضرية مثل طرابلس وبنغازي. ويتحدثون لغتهم الأم، الأمازيغية، التي تتكون من عدة لهجات مختلفة.

تشير التقديرات إلى أن نسبة الأمازيغ في ليبيا تتراوح بين 5% إلى 10% من السكان، وقد واجهوا في ليبيا تهميشاً سياسياً وثقافياً، خصوصاً خلال فترة حكم القذافي التي اتخذت اتجاهاً عربياً على المستوى القومي.

وفي الدستور المؤقت لعام 2011، تم الاعتراف باللغة الأمازيغية كجزء من التراث الثقافي الليبي، وهم يشتركون مع باقي أمازيغ شمال إفريقيا بأنهم يتحدثون لغات تنتمي إلى العائلة الأمازيغية، وهي مجموعة من اللهجات المحلية التي تشمل الطاشلحيت في المغرب، القبائلية في الجزائر، والشاوية في الجزائر وتونس، إلى جانب الأمازيغية في ليبيا.

وعلى الصعيد الإقليمي، هناك مجموعة من الهيئات مثل الكونغرس العالمي الأمازيغي (CMA) الذي تأسس عام 1995، والجمعية الأمازيغية التي تعمل على مستوى المغرب العربي وتشمل العديد من الفروع المحلية في دول مثل المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا، والحركة من أجل ذاتية الحكم لمزاب في الجزائر التي تعمل على تعزيز حقوق الأمازيغ وخاصة الجماعة المزابية.

رسم توضيحي لواقع الأمازيغ خلال مراحل مختلفة

خلافات مستجدة

وخلال مرحلة الرئيس معمر القذافي كانت مشكلة الأمازيغ مختلفة نوعياً، فهي لم ترتبط بحالة مذهبية أو دينية، وكان التناقض ثقافياً بالدرجة الأولى مع اتباع القذافي اتجاهاً عروبياً جعل من الصعب على المكون الأمازيغي استخدام تراثه الثقافي في الحياة العامة، لكن هذه المشكلة لم تظهر على سطح الحياة السياسية نتيجة مركزية الدولة، وتهميش الأمازيغ لم يحمل توترات على مستوى السياسة الليبية، حيث عاشوا ضمن الحالة الليبية العامة بكل تفاصيلها، فعصبية الدولة كانت مفروضة على الجميع دون تمييز خاص، بينما تشكل التناقضات اليوم ظاهرة خاصة، لا تحاول فرض ثقافة خاصة على الأمازيغ إنما تهدد وجودهم عبر فتاوى التكفير.

والفتوى الأخيرة ليست جديدة في مساحة التناقضات الليبية، فقبل سنوات قليلة ندد مكتب الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في مدينة زوارة على الحدود مع تونس بفتوى صادرة عن “اللجنة العليا للإفتاء” بالحكومة المؤقتة السابقة برئاسة عبدالله الثني في بنغازي، التي عدت الإباضية “فرقة منحرفة وضالة”، وأنهم “من الباطنية الخوارج، ولا يجوز الصلاة وراءهم”، معتبراً إياها “دعوة صريحة للفتنة، وتحريضاً مبطناً على التقاتل وتكفيراً لأهل البلاد الذين عاشوا قروناً كمجتمع إسلامي واحد”.

ويبدو أن الفارق الأساسي اليوم ما تفرضه هذه الحالة على مستوى الحدود مع تونس، وإمكانية “الصراع المسلح” بين الأمازيغ وباقي الفصائل التابعة لحكومة طرابلس.

تصعيد سياسي

يمكن النظر للمسألة وفق أبعاد متباينة مرتبطة بالتكوين الثقافي الليبي، وهذا الأمر يعتبر جزءاً من قضايا النسيج الثقافي، وهو يعطي غناً للحياة الاجتماعية في حال الاستقرار السياسي، لكنه وسط الصراعات القائمة حالياً يشكل أزمة تحاول معظم المبادرات الدولية تجاهلها.

والاعتراف بحقوق الأمازيغ ليس مجرد إجراء سياسي بل جزء من العقد الاجتماعي الذي من المفترض أن يحدده الدستور الجديد للبلاد، فحساسية الموضوع تكمن في قدرة القوى التي ستشارك في الانتخابات المقبلة على خلق توازن بين هذه الحقوق والوحدة الوطنية الليبية.

ويمكن النظر إلى مسألتين أساسيتين في هذا الموضوع:

  • الأولى أن مسائل التكفير الجديدة ليست بعيدة عن المأزق السياسي الليبي، حيث يمكن قراءته ضمن محاولات عرقلة أي جهد دبلوماسي أو محاولات لعقد حوار يفضي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية.

وضمن هذه المسألة يظهر الأمازيغ كحالة يمكن إثارتها أو وضعها ضمن واجهة الحدث، وجعلها جزء من التناقض الذي يمنع التوافق، فكسر “الوحدة الوطنية” عبر إثارة حالة طائفية لا يمكن النظر إليه بشكل عادي، بل كجزء من الحفاظ على حالة الانقسام الراهنة.

  • المسألة الثانية مرتبطة بمعبر رأس أجدير، فبغض النظر عن الخلافات بين حكومة الدبيبة والأمازيغ في تلك المنطقة، لكن هذا المعبر في ظل “التشتت” الأمني وتعدد مرجعية الفصائل سيدفع وبشكل تلقائي قضية الأمازيغ للواجهة.

ولا تبدو المشكلة في مطالبة الأمازيغ بضرورة أخذ مصالحهم بعين الاعتبار في معبر رأس أجدير، إنما في عدم الثقة بالحالة الأمنية في الغرب الليبي، فالوحدات العسكرية التابعة لطرابلس لديها ولاءات تتجاوز الحكومة، وتملك نوعاً من الحرية خارج قرارات السلطة السياسية، وهو ما يزيد مخاوف الأمازيغ خصوصاً مع ظهور فتاوى تكفير بحقهم.

وكل الحلول المطروحة بشأن الأمازيغ لا تبدد المخاوف الخاصة بهم، أو حتى مخاوف الطرف الآخر الذي ينظر بشك إلى دعوات الحقوق الثقافية، ففي ظل الصراعات السياسية الحالية سيبقى الحوار الوطني خطوة أولى نحو الحل إذا استطاع التحرر من التأثيرات الخارجية، فالأمازيغ بحاجة لعقد اجتماعي لا يبدد مخاوفهم من الذوبان الثقافي فقط، بل يجعلهم ضمن خط الدفاع عن السيادة الوطنية، وهذا الأمر لا يتوفر حاليا في ظل الشروط التي تضعها حكومة الدبيبة في وجه الحوار.

بقلم نضال الخضري

تحذيرات من تبعات خطيرة لتدخل المجلس الرئاسي في المصرف المركزي الليبي

اقرأ المزيد