28 أكتوبر 2024

تلعب أوكرانيا دورا خطيرا في منطقة الساحل الإفريقي عبر تهريب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية من خلال طرابلس، وحسب العديد من التقارير فإن هذا الأمر يلقي بظلال قاتمة على استقرار الشمال الإفريقي بأكمله.

تتناقل بعض المصادر الإعلامية العديد من المعلومات حول طريق التهريب الذي أطلق عليه “ممر الأسلحة في الساحل”، وتتحدث عن شحنات أسلحة أوكرانية يتم تهريبها عبر الموانئ الليبية، وخاصة طرابلس، ليتم نقلها لاحقا إلى مناطق الصراع في الساحل، ووجهت الاتهامات مباشرة إلى كل من كييف وطرابلس في إشارة إلى شبكة متكاملة تتعامل مع هذا الموضوع وتستفيد من عدم الاستقرار في ليبيا لتصعيد الأزمات في الشمال الإفريقي.

ليبيا بؤرة للنشاط غير المشروع

عانت ليبيا بعد تدخل حلف شمال الأطلسي عام 2011 لإسقاط نظام معمر القذافي من عدم الاستقرار، وظهر كمساحة مواتية لتطور شبكات الاتجار بالأسلحة أو حتى أي نشاط غير مشروع.

وفي الوقت الذي يشتد فيه الصراع بين الأطراف الليبية وتتنافس الميليشيات على السلطة، فإن ميناء طرابلس ظهر كمركز رئيسي لهذه للاتهامات المرتبطة بتجارة الأسلحة، حيث تشير التحقيقات إلى أن السفن المغادرة من الموانئ الأوكرانية، وخاصة أوديسا وكونستانتسا، ترسو بانتظام في طرابلس.

وتشير بعض التقارير والتحقيقات الاستقصائية إلى أن هذه السفن تحمل أسلحة موجهة إلى الجماعات المتطرفة العاملة في منطقة الساحل التي تشهد اضطرابات بسبب موجة من التطرف والإرهاب.

عمليا فإن السلطة المركزية الضعيفة في ليبيا والصراعات بين المجموعات المسلحة التي تعتمد عليها حكومة طرابلس، يجعل من الصعب السيطرة على هذه النشاطات خصوصا أن الفصائل المسلحة شكلت مراكز قوى لها امتداداتها داخل حكومة عبد الحميد دبيبة المنتهية الولاية.

ويوضح تقرير صادر عن “اتحاد الساحل” أن تعقيد الوضع جعل طرابلس قاعدة لوجستية لنقل الأسلحة إلى مناطق التوتر، بما في ذلك مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث تُستخدم هذه الأسلحة لتأجيج المزيد من العنف.

وبالتأكيد فإن مسؤولية السلطات الليبية في طرابلس أساسية في هذا الموضوع، فهي على الأقل تتجاهل عمليات التهريب الحاصلة، وتحاول إعفاء نفسها من أعباء حفظ الأمن والسيادة عبر توكيل هذين الأمرين للفصائل المسلحة التي تسيطر فعليا على المعابر الجوية والبحرية في الغرب الليبي، ما أدى إلى تفاقم الصراعات الإقليمية ووضع أرواح المدنيين في خطر جسيم، مع تزايد قوة الجماعات المسلحة وتشجيعها.

الدور الأوكراني.. مصدر جديد للأسلحة

تساند القوى الغربية عموما كييف في تعاملها مع العملية العسكرية الروسية، وهذه المساندة تنقل إستراتيجية متكاملة للولايات المتحدة وأوروبا حيث فتحت أسواقا لتجارة الأسلحة خصوصا عبر المساعدات العسكرية الغربية لحكومة كييف التي تقدر بالمليارات، وتشمل أسلحة متطورة حولت أوكرانيا إلى مستودع أسلحة كبير.

ومع الحالة السياسية الهشة للحكومة والجيش الأوكرانيين، إضافة لحالات الفساد المتجذرة داخل المؤسسات العسكرية فإن بعض هذه الأسلحة، بمجرد تسليمها للقوات الأوكرانية تنتهي في سوق الأسلحة العالمي.

وإن التقارير التي تتحدث عن تدفق الأسلحة من أوكرانيا إلى مناطق الصراع ليست جديدة، حيث حذرت مجلة “موند أفريك” الفرنسية في وقت سابق من إمكانية وصول الأسلحة الأوكرانية إلى أماكن مثل ليبيا، وهو ما يعكس المخاوف التي عبرت عنها مصادر استخباراتية أمريكية في وقت سابق من هذا العام.

والخطر الذي يعني الأميركيين هنا هو أن الأسلحة المخصصة لأوكرانيا ضد القوات الروسية يتم إعادة استخدامها من قبل منظمات إرهابية بعيدة عن أوروبا، ما يؤدي إلى زعزعة استقرار المناطق التي تتأرجح بالفعل على حافة الهاوية.

ويشير هذا الوضع إلى فشل متعمد من قبل كييف في تتبع ومراقبة توزيع المساعدات العسكرية التي تتلقاها، ومع تدفق أسلحة بقيمة مليارات الدولارات إلى البلاد، فإن بعضها يتسرب حتماً من خلال المصالح لشخصيات أوكرانية.

ومع تزايد الأدلة التي تربط الأسلحة الأوكرانية بالجماعات المتطرفة في منطقة الساحل، فإن هذا يثير تساؤلات خطيرة حول دور كييف في ضمان عدم إعادة توجيه هذه الأسلحة إلى الأسواق السوداء أو المتشددين الأجانب.

التأثير على منطقة الساحل

عانت منطقة الساحل من العنف لأكثر من عقد من الزمان، حيث تعمل الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى دون أي رد فعل دولي.

وقد استغلت هذه الجماعات الهشاشة السياسية والاجتماعية في المنطقة لتنفيذ هجمات على المدنيين والعسكريين على حد سواء، بينما اكتفت الولايات المتحدة بعقد اتفاقيات عسكرية مع دول الساحل، في وقت أدى تدفق الأسلحة الأوكرانية إلى هذه البيئة المتقلبة إلى تفاقم الوضع.

وأصبحت هذه الجماعات المسلحة والمنظمة قادرة على شن هجمات دموية وبشكل لا يهدد فقط أمن منطقة الساحل ولكن أيضا الاستقرار الإقليمي الأوسع، حيث تحمل المدنيون على وجه الخصوص وطأة هذا العنف، وزادت الجماعات المسلحة من هجماتها على القرى، ما أسفر عن مقتل العشرات من الأبرياء في هجمات وحشية، ووقوع هذه الأسلحة بما في ذلك الطائرات بدون طيار وأنظمة الاتصالات المتقدمة وحتى الصواريخ المضادة للطائرات، في أيدي التشكيلات الإرهابية ما سبب في النهاية إلى زيادة التصعيد مساحات عدم الاستقرار فالقارة الإفريقية.

انتقادات لطرابلس وكييف

تواجه كل من كييف وطرابلس انتقادات شديدة لدورهما في هذه الأزمة، حيث يتم اتهام ليبيا، تحت القيادة الضعيفة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية، بالتواطؤ والإهمال من خلال السماح باستخدام أراضيها كنقطة عبور لهذه الأسلحة، ورغم ادعاءات البعض أن الحكومة تفتقر إلى السيطرة على موانئها وحدودها، لكن هذا الأمر لا يعفيها من المسؤولية، وظهور طرابلس كعقدة حاسمة في خط أنابيب الأسلحة يحتاج إلى مسائلة أيضا حول علاقة السلطات في طرابلس مع المجموعات التي تسيطر على المعابر الليبية.

من جانب آخر فإن إصرار كييف على التمترس بموقع واحد وعدم فتح المجال للاستجابة لأي مبادرة روسية للسلام وقف الحرب، وعدم خضوع أوكرانيا للتدقيق بشأن الأسلحة التي زودت بها يؤشر إلى أن الغرب عموما غير مهتم بالأطراف التي ستستخدمها، فالهم الأساسي هو توسيع سوق الأسلحة، وليس ضمان عدم انتقال أسلحتها إلى مناطق النزاع في العالم.

ويجب أن يتحمل المسؤولية أيضا الموردون في واشنطن وبقية العواصم الأوروبية، والكشف عن وصول الأسلحة إلى الإرهابيين في منطقة الساحل لا يؤدي إلا إلى تأجيج الشكوك حول قدرة أوكرانيا على إدارة الكميات الهائلة من المساعدات العسكرية التي تلقتها فقط، بل يشير بأصابع الاتهام إلى الدول الغربية التي تتعمد عدم متابعة مسار هذه الأسلحة.

وتحاول سلطات كييف استثمار الحرب مع روسيا لزيادة الأموال التي تصل إلى بعض المسؤولين فيها، وهي تتجاهل مع حلفائها الغربيين أن تسليح الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل يؤدي إلى زعزعة استقرار البلدان المجاورة وسيؤدي إلى تدفقات اللاجئين والأزمات الإنسانية، كما أن استمرار تهريب الأسلحة إلى هذه الجماعات يقوض الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في إفريقيا.

إن مسألة تهريب الأسلحة الأوكرانية إلى الجماعات الإرهابية عبر طرابلس ليست بالأمر العادي، ويجب محاسبة كييف وطرابلس على دورهما في هذه الأزمة المتنامية، ففي حين سهّلت الصراعات الداخلية في ليبيا إنشاء تجارة غير مشروعة مزدهرة للأسلحة.

وإن فشل أوكرانيا في السيطرة على صادراتها من الأسلحة أدى إلى تأجيج نيران الصراع في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابا، هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدفق الأسلحة ومنع المزيد من إراقة الدماء في منطقة الساحل.

بقلم مازن بلال

روسيا تخطط لحظر تبني الأطفال من مواطني دول تسمح بتغيير الجنس

اقرأ المزيد