04 ديسمبر 2024

تستضيف لندن مؤتمراً دولياً لمعالجة الأزمة الليبية بغياب الأطراف الليبية، حيث يبدو هذا المنتدى نوعاً من تنظيم الأدوار الغربية وترتيب مصالحها وذلك مع عدم دعوة كل من روسيا والصين للمشاركة فيه.

يجمع المؤتمر الذي نظمته وزارة الخارجية البريطانية، ممثلين من ثمانية دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وتركيا وفرنسا ومصر، ولن يكون لليبيا وهي بؤرة الأزمة، أي تمثيل على طاولة النقاش وهو ما يثير إحباطاً وتشكيكاً من آليات عمل المؤتمر وقدرته في التأثير على مسار الأزمة، وهو ما دفع زعيم حزب صوت الشعب الليبي، فتحي الشبلي، للإعراب عن قلقه إزاء عدم مشاركة الليبيين، وأوضح أن غياب الذين شاركوا بشكل مباشر في الأزمة، سواء الجناة أو الأطراف التي تسعى إلى الحل، “يقوض مصداقية المؤتمر”.

من جانب آخر فإن استبعاد روسيا والصين، العضوين الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يقيد عمل المؤتمر ويؤثر على فاعليته وقدرته على إيجاد فارق في مسار الأزمة، فالمؤتمر أساساً تم ترتيبه بعيداً عن الأمم المتحدة، وهي المعنية أساساً بالأزمة ولديها بعثة خاصة في ليبيا، ولكن أي قرارات أو توصيات ستصدر عن أعمال المؤتمر سيتم عرضها على مجلس الأمن، وسيجعلها عرضة لاستخدام حق النقض من قبل روسيا والصين اللتان لم تشاركان في النقاشات التي جرت في لندن.

الأهداف والأجندة

تمتد أعمال هذا الاجتماع على ثلاثة أيام (4 إلى 6 ديسمبر)، ومن المتوقع أن يركز على استراتيجية دولية منسقة لتحقيق الاستقرار في ليبيا، حيث سيعالج الانقسامات الليبية واقتراح استراتيجيات لتوحيد المؤسسات وأجهزة الأمن، وآليات تنظيم الانتخابات الوطنية، ورغم أهمية هذه الأهداف لكنها تطرح مفارقة أساسية في ظل غياب التمثيل الليبي، فأي اتجاهات لحل الأزمة لا يمكن صياغتها دون مساهمة الأطراف المعنية من الليبيين، فهي ستكرر عملياً الانقسام والتشتت، خصوصاً في ظل اعتماد الدول الحاضرة لهذا المؤتمر على قوى ليبية محددة لتطبيق مخارج الاجتماعات.

عملياً فإن الأزمة الليبية شكلت ساحة صراع للمصالح الدولية المتنافسة، وعدم حضور روسيا والصين في اجتماعات لندن يكرس الانقسامات الجيوسياسية حول مستقبل ليبيا، فعلى المستوى السياسي فإن روسيا لها دور حاسم في أمن الشمال الإفريقي وليس في ليبيا فقط، في وقت تبدو فيه الصين شريكاً لا بد منه في أي توازن للعملية السياسية في ليبيا وذلك بالنظر لما تملكه من قدرة على دعم عملية التنمية في المرحلة ما بعد الانتخابات، ويشير استبعادها إلى نهج غربي في التعامل مع الأزمات الدولية ومحاولة التفرد بالقرارات الدولية.

واللافت في كافة المواقف هو ما عبرت عنه دول الخليج العربي عبر تجديد مجلس التعاون موقفه الداعم لليبيا والحل السياسي (الليبي-الليبي) وقرارات مجلس الأمن، مؤكداً على الحفاظ على مصالح الشعب الليبي لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، كما أكد المجلس في بيانه على هامش الدورة الـ45 على ضمان سيادة واستقلال ليبيا ووحدة أراضيها ووقف التدخل في شؤونها الداخلية، وخروج كافة القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من أراضيها، كما رحب المجلس بقرار مجلس الأمن بتمديد ولاية البعثة الأممية في ليبيا حتى نهاية يناير 2025، وتوقيع الاتفاق بشأن حل أزمة مصرف ليبيا المركزي وتشكيل مجلس إدارة جديد للمصرف.

الرهانات الدولية والتداعيات الإقليمية

يعتبر اجتماع لندن أحدث حلقة في سلسلة من المبادرات الدولية بخصوص الصراع الليبي، حيث فشلت الجهود السابقة، مثل عملية برلين ومؤتمر باريس في عام 2021، في تحقيق نتائج مستدامة، فهي سلطت الضوء على أهمية الانتخابات والحكومة الموحدة، لكنها كانت عاجزة عن إيجاد آليات للتنفيذ ترضي جميع الأطراف وذلك بسبب طبيعة الانقسامات وأشكال التدخل الخارجي، واستبعاد الأطراف الليبية من مؤتمر لندن سيعيد حالة العجز والدخول في دورة المؤتمرات الدولية ذات التأثير المحدود على الأرض، فليبيا التي تعاني من الانقسامات فإن التأييد المحلي أمر بالغ الأهمية، والتنافس المستمر بين مجلس النواب والحكومة المنتهية الولاية في طرابلس يتطلب إعادة الثقة وإزالة المخاوف لدى كافة الأطراف من أجل حلول فعالة، وما يجعل غياب الليبيين عن المؤتمر حالة تعطل كافة الحلول التي يمكن أن يطرحها المجتمعون في لندن.

يأتي هذا المؤتمر مع استعداد الأمم المتحدة بالتعاون مع بعثتها على إطلاق مبادرة جديدة؛ تهدف إلى إنهاء حالة الجمود التي تقف عائقاً أمام تحقيق الاستقرار، وكشفت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية، أنيكا كلازن، أن بعثة الأمم المتحدة تخطط لإطلاق مبادرة سياسية شاملة تستهدف جميع الليبيين، في المقابل تشير تصريحاتها إلى اهتمامها  بتقديم حل شامل ينهي الانقسامات الحالية، وسط دعم قوي من المجتمع الدولي.

وكانت القائمة بأعمال رئيسة البعثة الأممية، ستيفاني خوري، أكدت على أهمية توحيد المؤسسات كخطوة أساسية نحو تحقيق الاستحقاقات الانتخابية وتشكيل حكومة موحدة، وهو ما يعكس تعقيد المشهد السياسي، وهذا الاهتمام بالأزمة الليبية يؤكد أن المجتمع الدولي يملك مصلحة قوية في استقرار ليبيا بسبب موقعها الاستراتيجي واحتياطاتها النفطية الضخمة، ومخاطر عدم الاستقرار والاضطرابات يهدد الأمن الإقليمي، بما في ذلك انتشار الإرهاب والهجرة غير المنظمة عبر البحر الأبيض المتوسط، والطريقة التي ينعقد بها مؤتمر لندن تقدم نموذجاً عن الحلول التي لا تنظر إلى عمق الأزمات، فهو يريد كسر الجمود السياسي ولكنه في نفس الوقت يريد تحييد القوى الدولية إضافة لتجاهل المصالح الليبية بشكل عام، فالاحتكار بشأن حلول الأزمة يعبر بشكل واضح على أن التفكير الغربي عموماً يسير باتجاه يتجاهل كل الأطراف المتأثرة بالأزمة الليبية.

يؤكد اجتماع لندن على إصرار المجتمع الدولي على معالجة الأزمة الليبية عبر الاحتكار السياسي، واقتسام النفوذ والمصالح وهو ما يجعل من الاستقرار أمراً صعبا،ً ويزيد من التعقيدات التي سترافق كل مراحل هذه الأزمة، فانتقال ليبيا نحو الاستقرار يحتاج لمبادرات تعطي الأولوية للشمول والنظر إلى الشأن الليبي بكليته، وعدم تجاهل الجهود الليبية الرامية إلى رسم مسار نحو السلام، وبدون هذا التحول، فإن مؤتمرات مثل لندن تصبح بمثابة بند آخر في قائمة طويلة من الفرص الضائعة.

بقلم نضال الخضري

الجزائر وشركاء أوبك+ يمددون تخفيضات الإنتاج النفطي

اقرأ المزيد