19 سبتمبر 2024

مثل الاجتماع الأخير للجنة العسكرية المشتركة 5+5 في سرت في 24 أغسطس، بعد انقطاع دام لمدة عام، صورة لتعقيدات الوضع الأمني في ليبيا، وذلك مع إقرار اللجنة عدم قدرتها على إخراج القوات الأجنبية من ليبيا.

وكانت مهام اللجنة واضحة منذ تأسيسها عام 2020، فهي معنية بوقف إطلاق النار بين الشرق والغربي الليبيين، والحفاظ على حالة الاستقرار على الجبهات الليبية التي اشتعلت عام 2019، وهي عملت ضمن إطار يتعلق بوقف إطلاق النار ومراقبة تنفيذه.

وبقيت المؤسسة العسكرية الليبية مشتتة وفق الخارطة السياسية التي أنتجت حكومتين: واحدة يدعمها مجلس النواب، والثانية في طرابلس تعمل بدعم دولي رغم انتهاء فترة ولايتها.

عمليا، فإن الانقسام السياسي كان القاعدة التي أنتجت اللجنة العسكرية، واستطاعت إنجاز مهامها نتيجة التوازن الإقليمي وليس بقدرتها على فرض الاستقرار، خصوصا مع المشهد العسكري المتبدل والمتوتر في الغرب الليبي، ومع الاتفاقيات التي وقعتها حكومة عبد الحميد الدبيية المنتهية الصلاحية مع تركية والتي منحتها فيها صلاحيات واسعة على الأراضي الليبية.

واللجنة تأسست في جنيف كجزء من عملية السلام وبرعاية الأمم المتحدة، وتتألف من خمسة ضباط عسكريين رفيعي المستوى من القوات المسلحة العربية الليبية (LNA) يمثلون الشرق، وخمسة من القوات المتمركزة في الغرب المتحالفة مع حكومة الوحدة الوطنية  (GNU).

وكانت من ضمن مهام اللجنة مهامها متابعة سحب المقاتلين الأجانب، والعمل نحو نزع السلاح من مناطق النزاع، لكنها وبعد أربع سنوات باتت تواجه واقعا مختلفا تماما، حيث تملك القوات الأجنبية في الغرب الليبي دعما من حكومة طرابلس التي وقعت اتفاقيات أمنية بشكل منفرد.

اللجنة والمشهد الليبي المعقد

في اجتماعها الأخير في سرت، أكدت اللجنة التزامها بمراقبة وقف إطلاق النار، وبشكل خاص على ضرورة مواصلة عملها، ورفضت أيضا الاتهامات بالتخلي عن دورها، معتبرة أن هذه الادعاءات ناتجة عن سوء فهم لمهامها.

و بحسب بيان تأسيسها، فإن اللجنة تملك صلاحية محدودة وغير قادرة على توحيد المؤسسة العسكرية، ولا تملك السلطة اللازمة لطرد المرتزقة الأجانب أو دمج الجماعات المسلحة في جيش موحد، وهذا التوضيح “الصادم” من اللجنة يثير تساؤلات حول مدى قوتها وقدرتها على التأثير في العملية الأوسع المرتبطة بإنهاء الانقسام العسكري.

والواضح أن فعالية اللجنة 5+5 في استعادة الأمن والسلامة في ليبيا باتت محاصرة بالتأثيرات السياسية، وأن الموضوع العسكري أصبح معلقا على التوترات في الغرب الليبي وانعكاسه على أداء الحكومة في طرابلس.

وأن الحفاظ على وقف إطلاق النار بين الشرق والغرب أصبح من الماضي، والتوترات الأمنية الحالية مرتبطة عمليا بمليشيات الغرب التي لا تنظر إلى اللجنة على أنها تمثل المجموعات المسلحة الموزعة في طرابلس ومحيطها.

وباتت إدارة الجوانب العسكرية لعملية السلام مرهونة بالتوازنات بين ميليشيات الغرب الليبي وعلاقتها بحكومة عبد الحميد الدبيبة، وهوما يجعل اتفاقيات وقف إطلاق النار الموقعة عام 2020 خاضعة لمصالح هذه المجموعات التي لا ترى في اللجنة سوى جزء من عملية سياسية بات قديمة بفعل التبدلات التي شهدتها طرابلس أمنيا وسياسيا.

التحديات الحالية لعمل اللجنة

تعمل اللجنة وتعقد اجتماعاتها في مدينة سرت، وهذا الأمر يحمل تأكيدا على دورها في استقرار المنطقة الوسطى من ليبيا، فالاجتماعات التي انعقدت في جنيف كانت ترى أن هذه المنطقة هي مفتاح للحفاظ على السلام على مستوى البلاد، فظهرت اللجنة ككيان عسكري محايد وفق المنظور الدولي يخفف من النزاعات المحلية ويقلل فرص التصعيد، لكن ما حدث ناقض هذا التصور الذي انبثقت منه اللجنة.

ورغم تعثر العملية السياسية، وحدة الانقسام ما بين مجلس النواب وحكومة طرابلس؛ لم تنتقل الخلافات إلى مستوى التصعيد العسكري، ولكنها جعلت التوتر محكوم فقط بميزان القوة بين الجانبين، وهو ما دفع حكومة الدبيبة لعقد اتفاقات أمنية مع تركيا لضمان هذا التوازن، وللحفاظ على وجودها وسط الفوضى الأمنية في غرب ليبيا.

وإن مسألة توحيد القوات العسكرية في ليبيا بات أكثر صعوبة ليس أمام اللجنة فقط بل على أرض الواقع، ففي شرق ليبيا استطاعت الحكومة ضمان مركزية عسكرية عبر القوات المسلحة العربية الليبية، بينما في الغرب فإن حكومة طرابلس لا تنظر بجدية إلى الاستراتيجية العسكرية التي يمكن أن تعيد توحيد الفصائل بشكل يسهل إيجاد مؤسسة عسكرية ليبية موحدة.

وربما على العكس فهي تستفيد -حكومة الدبيبة- من فوضى الميليشيات لتكرس واقعا سياسيا مشتتا يطيل من بقائها وسط عدم القدرة على حل الأزمة عبر إجراء انتخابات جديدة.

ويوضح البيان الذي أصدرته اللجنة في اجتماع سرت تأثير الانقسامات السياسية على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والوضع الأمني الوطني بشكل عام، فهذه الانقسامات الناجمة عن المصالح المتعارضة والتأثيرات الخارجية، تجعل من الصعب تحقيق التوحيد العسكري.

وممثلو الشرق، المتحالفون مع القوات المسلحة العربية الليبية، يمثلون بوضوح هيكل الجيش الليبي، في المقابل، فإن أعضاء الغرب في اللجنة، رغم أنهم جزء من حكومة الوحدة الوطنية، لا يمثلون بالضرورة كيانا عسكريا موحدا، ما يعكس طبيعة القوات المجزأة في الغرب،وهذا التفاوت يعقد عملية التوحيد، حيث إنه ليس من الواضح من يمثل السلطة العسكرية الشرعية لدى حكومة طرابلس.

إضافة لذلك، فإن افتقار اللجنة للسلطة على فرض التوحيد العسكري أو طرد القوات الأجنبية يضعها في موقف حرج، فالقوة الحقيقية لإنجاز التغيير هي في يد القيادة السياسية واستعدادها للتوصل إلى حلول توافقية والعمل نحو هدف مشترك، فدون دعم جبهة سياسية موحدة، يبقى تأثير اللجنة 5+5 محدودا، حيث تعمل بشكل أساسي كجسر رمزي بين الجانبين المتنازعين بدلا من كونها قوة حاسمة للتوحيد.

وشكل اجتماع لجنة 5+5 الأخير في سرت خطوة حذرة، وقدم مؤشرا على أن استعادة الأمن والتحرك نحو توحيد ليبيا هو عمل متكامل ومترابط مع العملية السياسية، ولا يمكن إنجازه عبر لجان عسكرية أو أمنية.

وأن الانقسام يجعل اللجنة العسكرية المشتركة مشلولة وغير قادرة على إنجاز مهامها، كما أن الفوضى الأمنية في الغرب تحد من قدرتها على أن تكون قوة حاسمة في عملية توحيد ليبيا.

 بقلم مازن بلال

ليبيا.. مخاوف من تصاعد الأزمة الإنسانية مع تدفق آلاف النازحين من جنوب السودان

اقرأ المزيد