22 ديسمبر 2024

استطاع ممثلو مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة تحقيق اختراق سياسي خلال اجتماعهم في مدينة بوزنيقة المغربية، فالاتفاق على التدابير لكسر الجمود السياسي هو مقدمة للقاء قادم في مدينة درنة الليبية.

اختيار مدينة درنة للاجتماع القادم بين ممثلين عن مجلسي النواب الدولة يحمل رمزية خاصة، وإيحاء سياسي بالخروج من التخبط نحو الاستقرار مستوحى من الدمار الذي شهدته درنة خلال إعصار دانيال فالمدينة التي تدمرت في سبتمبر 2023، كشفت عن ضعف ليبيا، لكن جهود إعادة الإعمار، التي يقودها صندوق إعادة إعمار درنة تحت قيادة بلقاسم حفتر، تحمل مؤشراً على القدرة في بناء مسار ليبي جديد فاختيار درنة يوضح أن خيارات مجلسي النواب والدولة هي في إيجاد حلول على الأرض الليبية بعيداً عن العواصم الغربية التي شهدت اجتماعات لم تستطع الوصول لحلول حقيقية للأزمة الليبية.

الصورة الأولية لاتفاق بوزنيقة

كان الإعلان الدستوري الليبي المعدل أهم ركائز مفاوضات بوزنيقة، وذلك عبر وضعه ضمن المجال الأوسع لكافة المشاورات الليبية مثل اتفاق الصخيرات، أو حتى الإطار الدولي مثل قرارات مجلس الأمن، فالاتفاق حدد خارطة طريق موسعة لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية الملحة في ليبيا، وتضمن نقاط أساسية شكلت طوال السنوات الماضية عقداً سياسياً، فالتوافقات الأساسية التي ظهرت في بوزنيقة شملت الأمور التالية:

  • إعادة هيكلة السلطة التنفيذية:

عاد المجتمعون إلى “اتفاق الصخيرات” وللمادة الرابعة منه لإعادة تشكيل حكومة موحدة وذلك ضمن إطار الصلاحيات الخاصة بمجلس النواب ومجلس الوزراء، حيث ستشرف لجنة مشتركة على تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة التي ستراجع آليات الاختيار المقترحة التي قدمتها محادثات القاهرة التي عقدت سابقاً.

  • دعم الحكم المحلي

تعامل اتفاق بوزنيقة بشكل واقعي مع الحالة الليبية فأعطى الأولوية للتوزيع العادل لأموال ومشاريع التنمية بين البلديات، فالمجتمعات المحلية لا تحتاج فقط للتنمية بل أيضاً لوضعها ضمن الإطار العام لأي استقرار سياسي قادم، ولتحقيق هذا الأمر سيتم إنشاء آليات لتعزيز قدرة الهياكل المحلية على تنفيذ مخصصات التنمية مع مكافحة الفساد.

  • مسألة الأمن:

تعامل المجتمعون أيضاً مع المسألة الحساسة للأمن، على الأخص مع وجود ميليشيات مسلحة إضافة لانقسام المؤسسة العسكرية، وقرروا تشكيل لجنة أمنية لتنفيذ الاتفاقات السابقة، بما في ذلك استعادة سيطرة الدولة على الحدود والموانئ والمعابر، على أن يتم مناقشة مسألة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وهي قضية خلافية وحاسمة لاستعادة السيادة.

  • الإصلاحات الاقتصادية:

بخصوص الإصلاحات الاقتصادية فإن اتفاق بوزنيقة أقر إنشاء لجان مشتركة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية والمالية، ومراجعة أداء القطاع العام، واقتراح تدابير لمكافحة الفساد، مع إقراره بضرورة حشد الموارد المركزية للمشاريع الوطنية مثل التعداد الشامل وإعادة هيكلة نظام الهوية الوطنية في ليبيا.

الصورة الأولية لاتفاق بوزنيقة ربما لا تختلف كثيراً عن التوافقات الليبية الأخرى لكنها جرت بين طرفي السلطة الليبية: مجلسي النواب والدولة وهو ما يعطيها أهمية كونها خرجت بمقررات دون حالة مقاطعة أو تشويش سياسي، ورغم أن التفاصيل التي سيتم عبرها تنفيذ بنود الاتفاق تبدو معقدة، فإن الاختبار الحقيقي سيكون في الاجتماع الذي سيعقد في درنة بداية العام القادم.

تحديات سياسية واقتصادية للاتفاق

على الجانب السياسي يمكن قراءة اتفاق بوزنيقة على أنه محاولة جادة لإعادة بناء الثقة، فتأكيد الاتفاق على اللجان المشتركة لمعالجة القضايا الخلافية؛ يعكس استعداد الطرفين لإعطاء الأولوية للحوار والتسوية، حيث حاول المجتمعون بناء أرضية اقتصادية لأي توافق سياسي وذلك عبر الالتزام بالتخصيص العادل للموارد وأموال التنمية، فالتخفيف من حدة التفاوتات الإقليمية يساعد للحد من التناقضات السياسية عبر كسر التنافس على الموارد.

عملياً فإن موجة التفاؤل الذي أحدثه الاتفاق يواجه واقعاً سياسياً يمكن أن يعطل كل التوافقات التي تم التوصل لها، فالعملية السياسية الليبية متشابكة ما بين التناقض الداخلي والصراعات الأكبر على المستوى الدولي، فليبيا رغم الاتفاق ماتزال مقسمة بين إدارتين متنافستين: حكومة طرابلس المنتهية الولاية، والحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب الموجودة في بنغازي، ومحاولة الحكومتين احتكار الشرعية سيكون أهم التحديات التي ستواجه تنفيذ اتفاقات بوزنيقة.

التحدي الآخر بوجه اتفاق بوزنيقة يتمثل في طبيعة التدخلات الأجنبية الذي يعقد مسار ليبيا نحو السيادة والاستقرار، فمسألة القرار الليبي المستقل تواجه عملياً سلسلة من المصالح الدولية التي لا تقتصر على الأراضي الليبي بل ترتبط بأمن الشمال الإفريقي عموما، فإضافة للموقع الاقتصادي الخاص لليبيا كدولة نفطية فإنها تملك جغرافية تجعلها منطقة صراع نفوذ من قبل الدول الغربية بالدرجة الأولى، هذا الأمر مع التحديات السابقة يثير شكوك خاصة، حيث حدد الاتفاق مهلة شهر واحد للجان لتقديم نتائجها، لكن تاريخ التسويات في ليبيا حمل معه تأخيراً في متابعة أي اتفاق، ما يجعل مسألة الجداول الزمنية حساسة لأبعد الحدود.

ما سيحمله الاجتماع القادم في درنة هو الاختبار الحقيقي لقدرة التوافقات التي ظهرت في بوزنيقة المغربية في أن تصبح مساراً سياسياً، فالمعادلة السياسية الحساسة في هذا الموضوع مرتبطة في قدرة مجلس النواب ومجلس الوزراء الالتزام بالاتفاق ودعم عمل اللجان المشتركة، أما الطرف الأخير فهو الجهات الإقليمية والدولية، التي يمكن أن تدعم الإجراءات الليبية أو تتصادم معها.

يمثل اتفاق بوزنيقة واجتماع درنة القادم فرصة هشة ولكنها واعدة لليبيا للتحرك نحو السلام والاستقرار والمصالحة الوطنية، فدرنة التي لحقت بها واحدة من أسوأ الكوارث في تاريخ ليبيا، أصبحت الآن على استعداد للعب دور مركزي في تشكيل مستقبل البلاد، ونجاح الجهود في الاجتماع الذي ستستضيفه يتوقف على استعداد طرفي الصراع الليبيين على تجاوز الخلافات، فبالنسبة لليبيا الطريق إلى الأمام غير مؤكد ولكنه ليس بلا أمل.

بقلم نضال الخضري

ملتقى القاهرة السينمائي يعلن عن المشاريع المشاركة في دورته العاشرة

اقرأ المزيد