يأتي قرار رؤساء الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بالرفع الفوري للعقوبات المفروضة على النيجر منذ 30 يوليو 2023، كمحور استراتيجي يمكن أن يؤثر على العلاقات الإفريقية.
فالعقوبات تم فرضها بعد أربعة أيام من الانقلاب في النيجر العام الماضي، وحمل معه تداعيات دراماتيكية بعد انسحاب كل من النيجر وبوركينا فاسو ومالي من المجموعة نهاية يناير الماضي، فإنهاء العقوبات سيسمح بإعادة فتح الحدود والمجال الجوي النيجري، واستئناف التحويلات المالية بين دول المجموعة والنيجر وإلغاء تجميد أصول دولة النيجر.
وتبنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التي تأسست كاتحاد سياسي واقتصادي إقليمي يهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول، موقفا حازما ضد الانقلابات العسكرية، واعتبرتها تهديداً للحكم الديمقراطي والاستقرار الإقليمي، واعتبرت فرض العقوبات على الدول الأعضاء في أعقاب الانقلابات العسكرية بمثابة شهادة على التزام الكتلة بالمبادئ الديمقراطية، ويأتي قرارها الأخير برفع بعض العقوبات تحولا كبيرا في نهج المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تجاه التعامل مع الدول الأعضاء الخاضعة للحكم العسكري.
العقوبات المفروضة من “إيكواس” تم تصميمها لعزل الأنظمة العسكرية والضغط عليها لاستعادة الحكم المدني، وتضمنت قيودا مالية واقتصادية، وحظر التوظيف داخل مؤسسات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لمواطني البلدان المتضررة، وإغلاق الحدود والمجال الجوي، لكن هذه التدابير انعكست على مجمل العلاقات داخل المجموعة نتيجة الآثار الإنسانية العميقة إضافة إلى التوترات السياسية المرافقة لتلك المواقف المتشددة، مما أدى إلى تفاقم الصعوبات السياسية والاقتصادية وإعاقة وصول السكان إلى السلع والخدمات الأساسية، مما ينذر بكارثة تطال كافة دول المجموعة.
وفي النيجر أثرت العقوبات بشدة على سبل عيش أكثر من 40% من السكان الذين يعيشون في فقر مدقع، وهذا الواقع يسلط الضوء على التوازن الهش الذي تتعامل معه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، فهناك مقاربة مطروحة داخلها مرتبطة بالتمسك بمبادئها في مقابل تخفيف العواقب السياسية والاقتصادية، على الأخص أن انسحاب بعض الدول هدد قدرة المجموعة على الاستمرار، ووضع تحديات صعبة أمام هذه الكتلة في الحفاظ على الوحدة والاستفادة من النفوذ على الدول الأعضاء فيها.
وتؤشر خطوة رفع العقوبات على أنها محاولة لإعادة فتح قنوات الحوار والتفاوض مع الدول التي شهدت انقلابات عسكرية، في محاولة لتعزيز بيئة أكثر ملاءمة لتعزيز استقرار العلاقات فيما بينها، وذلك مع ظهور “تحالف الساحل” الذي شكلته الدول المنسحبة من المجموعة (النيجر ومالي وبوركينا فاسو)، وهو تطور في المشهد الجيوسياسي الإقليمي، حيث يشير هذا التحالف إلى صياغة علاقات دولية جديدة وإيجاد توازن ضمن النظام الدولي، مما يعني إقامة علاقات بعيدة عن الشركاء الغربيين التقليديين.
من جانب آخر فإن عملية رفع العقوبات توضح الديناميكيات المعقدة للسياسة في غرب إفريقيا، ويثير تساؤلات حول فعالية العقوبات كأداة للعلاقات في تلك المنطقة، فتحقيق الاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية يواجه تحديات مرتبطة أساسا بتداخل المصالح الدولية في تلك المنطقة، ويعكس رفع العقوبات الحالي عن النيجر اعترافا من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بالقيود المفروضة على التدابير العقابية، والحاجة إلى نهج أكثر دقة في رسم العلاقات الإقليمية، ويؤكد من جانب آخر على أهمية الحوار والدبلوماسية في تحقيق حلول مستدامة للأزمات السياسية.
إن التحليل الشامل لتعاملات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مع النيجر وغينيا ومالي، يكشف التوازن الدقيق بين دعم معالجة الاحتياجات والحقائق المباشرة للدول الأعضاء في ظل التحولات السياسية الداخلية لدول المجموعة، كما أن طريقة تكييف استراتيجياتها استجابة للديناميكيات السياسية توضح أن التوازنات الجديدة بين دولها يمكن أن تفرض لاحقا طبيعة جديدة في ظل صراع إرادات دولية على ثروات هذه الدول.
بقلم نضال الخضري
روسيا: عجز كييف في الميدان دفعها لدعم الإرهاب في إفريقيا