يمثل حقل الشرارة النفطي الليبي رمزا سياديا إضافة لكونه أحد أهم مواقع إنتاج النفط في البلاد، والإغلاق المتكرر له يطرح مفارقة الصراع على الثروات الليبية التي تسعى لكسر مفهوم السيادة.
ويتم استخدام حقل الشرارة كجزء من الصراع الناتج عن الانقسام السياسي، فالنظام الاقتصادي الليبي ورغم كافة الأرقام التي توضح نموا في الإيرادات، لكته يبقى هشا بسبب الاعتماد الكبير على عائدات النفط.
وأي خلل في الإنتاج يخلف عواقب وخيمة على اقتصاد البلاد ومشهدها السياسي، ويؤكد الحصار الأخير لحقل الشرارة على الطبيعة المتشابكة لعدم الاستقرار السياسي في ليبيا ونقاط الضعف التي يمكن أن تعصف بالمشهدين السياسي والاقتصادي.
حقل الشرارة كنقطة ارتكاز إستراتيجية
ويعتبر حقل الشرارة، الواقع في حوض مرزق في جنوب غرب ليبيا، أحد أكبر حقول النفط في البلاد، حيث تتجاوز طاقته الإنتاجية 300 ألف برميل يوميا.
ويدير الحقل اتحاد يضم شركة ريبسول الإسبانية وشركة توتال الفرنسية وشركات أخرى، ما يجعله بالغ الأهمية ليس فقط لليبيا بل لجملة دول أوروبية فاعلة في المشهد السياسي الليبي، وفي نفس الوقت فإن الإيرادات الناتجة من حقل الشرارة بالغة الأهمية للحكومة الليبية، حيث تعتمد على صادرات النفط لتمويل الخدمات العامة ودفع رواتب الموظفين المدنيين وتأمين استقرار الاقتصاد الوطني.
وعلى الجانب الآخر فإن للحقل أهمية مرتبطة في الصراع بين الفصائل المختلفة، حيث أصبح هدفا للتنافس على النفوذ ولامتلاك أوراق قوة ضمن شبكة المصالح الأوروبية في ليبيا، وتوضح الحصارات المتكررة لحقل الشرارة على مسألتين أساسيتين:
- الأولى استخدام النفط الذي يجب اعتباره عامل قوة وسيلة ضغط في الصراعات على السلطة، ليصبح جزءا من التعثر السياسي، فأي حصار لايعطل تدفق النفط فقط، بل يؤدي أيضا لصدمات متتالية للاقتصاد الليبي، ويفاقم الظروف الاقتصادية التي يواجهها الشعب الليبي.
ويطرح هذا الاستخدام بيئة سياسية مضطربة تحاول الخضوع للشروط التي يفرضها الحصار، ويسهل أيضا نفاذ المصالح الخارجية عبر التعامل مع توازنات القوى بين المجموعات التي تفرض الحصار والجهات الرسمية.
- استخدام عمليات الإغلاق في تغير القوة الجيوسياسية والمحلية، وهو ما يقدمه على الأقل الحصار الأخير الذي كان وفق بعض التقارير بسبب مذكرة اعتقال من الحكومة الإسبانية لصدام حفتر.
ويعاني المشهد السياسي الليبي من الانقسامات العميقة، ووجود بنكين مركزيين على سبيل المثال، يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي، ما يؤدي إلى انعدام الكفاءة والفساد، وإغلاق حقل الشرارة النفطي يبدو نتيجة مباشرة لهذه الانقسامات السياسية.
إغلاق حقل شرارة في المشهد الدولي
وأثار إغلاق حقل الشرارة النفطي ردود أفعال متباينة على المستوى المحلي والدولي، وعكس شبكة معقدة للمصالح التي تلتقي عند الثروات الليبية.
ومحليا أدانت حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، برئاسة عبد الحميد دبيبة، الإغلاق ووصفته بأنه “ابتزاز سياسي” وتعهدت باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية موارد ليبيا، ويؤكد هذا الرد عدم القدرة للحكومة على التعامل المباشر مع هذه الأحداث التي تبدو أمنية بالدرجة الأولى، ولكنها تستخدم “سلاح الاقتصاد” للتأثير على الوضع السياسي العام.
دوليا فإن الإغلاق أثار قلق الدول والشركات التي تستثمر في صناعة النفط الليبية، فشركة ريبسول الإسبانية العاملة في حقل الشرارة أكدت التزامها بضمان سلامة واستمرارية العمليات في الحقل، بينما مازالت الردود الدولية الرسمية تقف عند حدود القلق من التأثير المحتمل لحصار الحقل على أسواق النفط.
وأدى عدم الاستقرار المستمر في ليبيا إلى تجزئة الاقتصاد، حيث تسيطر فصائل مختلفة على أجزاء مختلفة من البنية التحتية للنفط، ولا يؤدي هذا التفتت إلى تقويض الاقتصاد فحسب، بل إنه يفاقم أيضا عدم استقرار عمل مؤسسات الدولة التي تعتمد على إيرادات نفط لتقديم الخدمات.
وعدم قدرة الحكومة المركزية على تأمين موارد النفط في البلاد أدى إلى التنازع على السيطرة على هذه الموارد، ويزيد من زعزعة استقرار الاقتصادي والسياسي، ومعالجة الهشاشة الاقتصادية في ليبيا تتطلب نهجا متعدد الأوجه يتجاوز تأمين حقل الشرارة النفطي، لأنه في النهاية مشكلة سياسية يتطلب المصالحة السياسية وإنشاء حكومة موحدة قادرة على إدارة موارد البلاد بشكل فعال.
بقلم مازن بلال
افتقار الولايات المتحدة إلى الجدية تجاه ليبيا