16 ديسمبر 2025

أعادت حركة تقرير مصير منطقة القبائل (الماك) فتح أحد أكثر الملفات حساسية في الجزائر، بعد إعلانها من باريس ما سمّته “قيام جمهورية اتحادية للقبائل” وانفصال المنطقة عن الدولة الجزائرية، في خطوة قوبلت برفض رسمي وشعبي واسع.

و صدر الإعلان الأحد الماضي، عن فرحات مهني، زعيم حركة “الماك” ورئيس ما يُعرف بـ“الحكومة القبائلية في المنفى”، خلال تجمع نُظم في العاصمة الفرنسية، رغم قرار السلطات الفرنسية منع انعقاده في قصر المؤتمرات بمدينة فرساي، لدواع أمنية تتعلق بالحفاظ على النظام العام وحساسية النشاط السياسية.

وبرغم الحظر، شارك في الفعالية مئات النشطاء من أنصار الحركة، إلى جانب شخصيات ووفود وُصفت بأنها أجنبية، قادمة من دول بينها كندا وبريطانيا وإسرائيل، وفق وسائل إعلام مقربة من الحركة.

واختارت “الماك” توقيت الإعلان بالتزامن مع ذكرى صدور قرار الأمم المتحدة رقم 1514 لعام 1960، المتعلق بحق الشعوب المستعمَرة في تقرير مصيرها، في محاولة لإضفاء بعد قانوني دولي على الخطوة.

وخلال المراسم، تليت وثيقة إعلان الاستقلال، وعزف ما يسمى بالنشيد القبائلي، بحضور ممثلين عن “البرلمان القبائلي”، حيث أعلن مهني أن منطقة القبائل “أصبحت جمهورية اتحادية ديمقراطية وعلمانية”، مؤكدًا أن هذا القرار “نهائي ودائم”، وأن الشعب القبائلي “استعاد سيادته الكاملة على أرضه ومصيره”.

ووفق ما ورد في الإعلان، اعتبرت الحركة أن السلطات الجزائرية لم تعد تمثل منطقة القبائل، ووصفت وجود الدولة هناك بأنه “سلطة أجنبية”، مشيرة إلى أن ما تسميه “استعادة السلطة القبائلية” دخل حيّز التنفيذ اعتبارا من 14 ديسمبر الجاري، كما أعلنت الكيان المزعوم “استعداده للحوار” مع الجزائر والهيئات الدولية بشأن نقل الصلاحيات.

غير أن هذا الإعلان لا يحظى بأي اعتراف رسمي، إذ تصنف الجزائر حركة “الماك” تنظيمًا إرهابيًا، وتعتبر نشاطها مساسًا مباشرًا بسيادة الدولة ووحدة أراضيها.

وجاءت ردود الفعل في الداخل الجزائري سريعة وحادة، حيث نددت حركة مجتمع السلم بما وصفته “مناورات انفصالية خطيرة”، محذرة من أن هذه الدعوات تمس أسس العقد الوطني وتهدد الاستقرار، ومؤكدة أنها لا تعكس إرادة سكان منطقة القبائل.

وبدوره، اعتبر رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة أن “الماك” تنظيم يفتقد لأي شرعية سياسية أو تاريخية، مشددا على أن أي مساس بوحدة البلاد يعد “إعلان مواجهة مع الشعب الجزائري بكل مكوناته”، ووصف المشروع الانفصالي بأنه محاولة فاشلة لإحياء أطماع استعمارية طواها التاريخ.

ولم تقتصر الانتقادات على الأحزاب السياسية، إذ عبر الهادي ولد علي، أحد الوجوه السابقة في الحركة الثقافية الأمازيغية، عن رفضه القاطع لما جرى، معتبرا أن الدعوة إلى الانفصال تمثل “وهمًا سياسيا خطيرا”، وتشويها لمسار الحركة الأمازيغية التي نشأت  بحسب تعبيره  كحركة ثقافية وديمقراطية جامعة، لا كأداة لتفكيك الدولة الوطنية.

كما دعت تنسيقية زوايا تيزي وزو أبناء المنطقة إلى التصدي لما سمّته “الدعوات المسمومة”، مؤكدة أن الخطاب الذي يروّج له فرحات مهني لا يعكس هوية القبائل الدينية والثقافية والوطنية، وشددت على أن الوحدة الوطنية “خط أحمر”.

وتقع منطقة القبائل شمالي الجزائر، وتمتد بين الساحل المتوسطي والهضاب العليا، ويقطنها سكان يغلب عليهم الانتماء الأمازيغي، ويُقدّر عددهم بنحو سبعة ملايين نسمة وفق بيانات عام 2022.

وتعود جذور حركة “الماك” إلى أحداث “الربيع الأسود” عام 2001، حين شهدت المنطقة احتجاجات دامية خلفت أكثر من 120 قتيلا وآلاف الجرحى.

وبعد سنوات من المطالبة بالحكم الذاتي، انتقلت الحركة عام 2013 إلى تبني خطاب “تقرير المصير”، قبل أن تطور لاحقا مشروعا انفصاليا كاملا.

وتشير وثائق فرنسية رسمية إلى أن الحركة مسجلة في فرنسا كجمعية تحت اسم “الحركة من أجل تقرير مصير القبائل”، فيما صنفها مجلس الأمن القومي الجزائري، منذ مايو 2024، ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية.

وتتهم السلطات الجزائرية الحركة بالضلوع في حرائق صيف 2021 التي شهدتها منطقة القبائل، وبالارتباط بجريمة مقتل الشاب جمال بن إسماعيل، إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بأمن الدولة.

وفي هذا السياق، صدرت بحق فرحات مهني عدة أحكام غيابية عن القضاء الجزائري، تراوحت بين السجن لمدد طويلة والمؤبد، على خلفية اتهامات تتعلق بتهديد الوحدة الوطنية والانتماء إلى تنظيم إرهابي، كان آخرها أحكام صدرت بحقّه وبحق عدد من عناصر الحركة بعد ضبط مواد وذخائر عسكرية، وفق الرواية الرسمية.

أسراب الجراد تغزو مناطق جديدة في ليبيا

اقرأ المزيد