22 نوفمبر 2024

ضرب إعصار دانيال في 10 سبتمبر 2023 الساحل الشمالي الشرقي لليبيا وخلف دماراً واسعاً، وكان اختباراً في نفس الوقت للاستجابة الداخلية للكارثة، ولدعم بعض الجهات الدولية في التعافي المبكر بعد هذه الأزمة.

وكانت تأثيرات الإعصار شديدة على مدينة درنة، وبدأ الإعصار كمنطقة ضغط منخفض وتحول سريعاً إلى أحد أكثر العواصف الكارثية التي ضربت المنطقة.

وتحولت درنة التي عانت نتيجة الحرب من خلل في البنية التحتية والعجز في الاستعداد لمثل هذه الكوارث، لمنطقة مدمرة بعد أن انهارت سدودها القريبة، ما تسبب في فيضانات نجم عنها مقتل الآلاف، وجرف أحياء بأكملها، ما دفع السلطات الليبية والمجتمع الدولي للاستجابة بطرق مختلفة، وعلى الأخص فرق المساعدات الروسية التي كانت الأسرع في التعامل مع هذا الحدث.

تأثير إعصار دانيال على ليبيا

رغم أن بوادر الإعصار اتضحت بشكل تدريجي منذ تشكل المنخفض الجوي في بحر “إيجة”، وسببت أمطار على مناطق مثل اليونان وتركيا وبلغاريا قبل أن يصل إلى ليبيا، لكن تصنيف العاصفة في البداية كان كمنخفض جوي، لكنها ازدادت قوة مع مرور الوقت، وجلبت أمطاراً غير مسبوقة إلى المدن الساحلية الليبية.

وتأثرت درنة نتيجة البنية التحتية الهشة ما جعل سدودها عرضة للانهيار نتيجة الأمطار الغزيرة، وبالفعل حدثت الانهيارات في سدين رئيسيين هما سد “البلاد” وسد “سيدي بومنصور”، و تسبب في فيضانات هائلة اجتاحت المدينة.

بحلول منتصف سبتمبر، تم تأكيد وفاة أكثر من 4000 شخص في درنة وحدها، على الرغم من أن بعض المصادر أشارت إلى أن العدد ربما يرتفع في النهاية إلى ما بين 18000 و20000 مع استمرار جهود الإنقاذ، كما تم تهجير أكثر من 30000 ساكن.

وبقيت أجزاء كبيرة من المدينة مدفونة تحت الماء والطين والأنقاض، لكن هذه الأرقام تم تعديلها لاحقاً ليصبح عدد الضحايا 5,300 شخص، مع وجود تقديرات تشير إلى أن عدد المفقودين وصل إلى 10,000 شخص.

دور روسيا في جهود الإغاثة

وسط الفوضى التي أعقبت انهيار السدود، أصبح سكان درنة من الناجين في حاجة ماسة للمساعدة، حيث كانت خدمات الطوارئ الروسية أول الواصلين، مع مساهمة كبيرة في الموارد والفرق البشرية والخبرات، حيث سارعت فرق الإغاثة الروسية إلى درنة للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ، وإزالة الأنقاض، وتقديم الرعاية الطبية.

وشملت المساعدات الروسية إرسال طائرات محملة بإمدادات حيوية مثل الطعام والدواء والخيام ومعدات الإنقاذ،وكانت الاستجابة السريعة لموسكو حيوية في الأيام الأولى للتعافي، حيث تمكنت فرق الإنقاذ من التنقل بفعالية وسط الدمار الذي خلفته العاصفة.

وتشير التقارير إلى أن روسيا كانت من بين الدول القليلة التي نشرت تجهيزات وفرقاً على الأرض بعد الإعصار مباشرة، واستطاعت تعويض النقص في جهود الاستجابة حيث كانت السلطات الليبية المحلية والمجموعات التطوعية غارقة في حجم الدمار الهائل.

ويوضح الرسم البياني التالي أن الاستجابة الروسية السريعة ظهرت في ثالث يوم من الكارثة، مع هبوط طائرات المساعدات، بينما تأخرت الولايات المتحدة حتى اليوم السابع حيث قدمت مساعدات مالية، بينما كانت موسكو تساهم بشكل مباشر في جهود التعافي الأولي من الكارثة:

الاستجابة للكارثة داخلياً: مؤسسة بلقاسم حفتر

بينما لعبت روسيا دوراً كبيراً في جهود الإنقاذ الأولية، تولى اللاعبون المحليون أيضاً قيادة تعبئة وتوزيع المساعدات، وبشكل خاص كانت المؤسسة التي يقودها بلقاسم حفتر تقوم بدور محوري في ضمان وصول الإمدادات إلى المحتاجين، وعملت بشكل وثيق مع السلطات المحلية والمنظمات الدولية وشبكات المتطوعين لتقديم المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء المنطقة.

وشملت جهود المؤسسة توزيع الطعام والماء والبطانيات والإمدادات الطبية على العائلات المهجرة، وضمان تلقي الأحياء الأكثر تضرراً الاهتمام اللازم، علاوة على ذلك، ساعدت المؤسسة في تنسيق لوجستيات توزيع المساعدات القادمة من مصادر دولية، ما جعل العملية أكثر كفاءة لضمان وصول الإغاثة إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها.

ولعبت المؤسسة دورا أساسيا في خطط إعادة الإعمار وجهود التعافي الطويلة الأمد، ورغم أنها ليست الجهة الرئيسية في إعادة الإعمار، لكنها قامت بجمع تبرعات وتوجيه أموال لمشاريع الإغاثة وإعادة الإعمار.

وكما شاركت المؤسسة في تنفيذ بعض المشاريع المتعلقة بإعادة بناء الطرق وإصلاح الجسور، وتقديم الدعم اللوجستي لإزالة الأنقاض وإعادة الحياة الطبيعية إلى المدينة, ووفرت الدعم للمتضررين من خلال توزيع مساعدات إنسانية مباشرة، مثل المواد الغذائية والمستلزمات الطبية، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية للأسر المتضررة.

وظهرت حالة تشاركية واضحة بين المؤسسات المدنية، حيث لعب الهلال الأحمر الليبي دوراً بارزاً في عمليات البحث والإنقاذ، إضافة إلى تقديم الإسعافات الأولية للجرحى والمصابين.

وشارك متطوعو الهلال الأحمر في جهود استخراج جثث الضحايا من تحت الأنقاض والبحث عن المفقودين، إضافة للتنسيق مع الجهات الدولية مثل الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة لتأمين وصول المساعدات الإنسانية العاجلة.

وكما أنشأ أيضاً الهلال الأحمر مراكز إيواء مؤقتة للناجين من الفيضانات، حيث تم تقديم الرعاية الصحية والاحتياجات الأساسية لهم، بالتزامن مع متابعة الوضع النفسي والاجتماعي للأسر المتضررة.

ووفر الهلال الأحمر فرقاً طبية متنقلة قدمت الرعاية الصحية للمصابين وللأشخاص الذين تأثروا نفسيا ًمن الكارثة، وكان من أكبر التحديات التي واجهته في درنة هو التعامل مع العدد الكبير من الجثث التي جرفتها الفيضانات، حيث عملت الفرق بالتعاون مع السلطات المحلية في جمع الجثث، وتحديد هوياتها، وتسليمها للأسر عندما كان ذلك ممكناً.

الجهود العالمية والمحلية: ردود متباينة

بالإضافة إلى الاستجابة الروسية والجهود المحلية، كان هناك تعاطفاً دولياً وعروضاً للمساعدة، حيث التزمت دول مثل تركيا وقطر ومصر والإمارات العربية المتحدة بإرسال إمدادات، وفِرق إنقاذ، ودعم مالي للمنطقة المنكوبة.

وأطلقت مختلف المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، نداءات لتمويل حملة الاستجابة للكارثة في درنة، مؤكدة على الحاجة إلى مياه الشرب النظيفة والمأوى والمساعدة الطبية.

وعلى الرغم من هذا الدعم الدولي، فإن الانقسام السياسي العميق في ليبيا شكل تحديات لتنظيم جهد إغاثة وطني موحد. فحكومة طرابلس المنتهية الولاية كانت النقطة التي تصب فيها المساعدات الغربية، ما أدى إلى تأخر وصولها إلى المناطق المنكوبة، كما كانت هناك شكاوى من السكان والمنظمات التطوعية بأن المساعدات لم تكن توزع بالتساوي ولم تصل إلى جميع المناطق المتضررة، ما يعكس القضايا الأوسع التي تواجه دولة منقسمة بسبب الصراعات السياسية.

الطريق إلى الأمام: تحديات التعافي وإعادة البناء

مع تجاوز التأثيرات المباشرة لإعصار دانيال، فإن درنة والمناطق الأخرى المتأثرة في شرق ليبيا تواجه تحديات إعادة البناء، فالبنية التحتية تضررت بشكل كبير، بما في ذلك الطرق والجسور وشبكات الكهرباء التي دمرتها الفيضانات، وكان لانهيار السدود دور في تفاقم الوضع الإنساني الصعب بالفعل، ما ترك المدينة بدون خدمات أساسية مثل المياه النظيفة والرعاية الطبية الكافية.

وترك الدمار الذي خلفه إعصار دانيال أثراً لا يُمحى في الذاكرة الليبية، وعلى الرغم من أن المساعدة الدولية بقيادة روسيا لعبت دوراً حاسماً في التخفيف من آثار الكارثة، فإن التعافي طويل الأمد وإعادة بناء المدينة سيتطلب موارد كبيرة وتنسيقاً محكماً، ورغم الجهود المحلية التي قادتها مؤسسة بلقاسم حفتر،  والتي قدمت دعماً حيوياً، لكن طريق التعافي لا يزال طويلاً وشاقاً.

بقلم نضال الخضري

المركزي الليبي يشكو أستاذ جامعي بتهمة إذاعة أخبار كاذبة

اقرأ المزيد