في مقابلة خاصة مع شبكة “أخبار شمال إفريقيا”، انتقد الصحفي والباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي، أ. إدريس أحميد، الأداء الأممي في إدارة الأزمة الليبية، معتبراً أن الأمم المتحدة فشلت على مدار 14 عاماً في التوصل إلى أي حل حقيقي، وسط تعقيدات أمنية وسياسية واقتصادية خانقة تعيشها البلاد.
وقال أحميد إن الأزمة الليبية لا تزال تراوح مكانها منذ عام 2011 تحت إشراف الأمم المتحدة، التي عيّنت عشرة مبعوثين لم ينجح أيٌّ منهم في تقديم حل للأزمة أو حتى دعم حقيقي للفريقين الليبيين، بل على العكس، بات التدخل الأممي في الشأن الداخلي الليبي يتزايد دون جدوى.
وأوضح أن المبعوثة الحالية للأمم المتحدة، هانسي تي، قامت بتشكيل “لجنة العشرين” التي اقترحت أربعة مسارات متعلقة بالعملية الانتخابية وحل الأزمة، وجرى تقديمها لمجلس الأمن، ومع أن هذه الخطوة زادت من حجم التأييد الدولي للمقترحات، إلا أن أحميد يرى أنها “غير قابلة للتنفيذ” في ظل طول أمدها ورفض بعض الأطراف الليبية لها، فضلاً عن التدخلات الإقليمية والدولية التي تعمّق من الانقسام.
وأكد أن الأمم المتحدة، التي أصبحت تُدير الأزمة بدلاً من حلها، بحاجة إلى مراجعة شاملة لدورها بعد إخفاق واضح في ملفات متعددة، وفشلها في تحقيق أي اختراق سياسي يُذكر، رغم حصول بعض المبادرات على موافقات أمنية.
وفي تعليقه على الأوضاع في العاصمة طرابلس، قال أحميد إن المنطقة الغربية تعاني منذ عام 2011 من هيمنة التشكيلات المسلحة، التي تفرض سيطرتها على العاصمة رغم وجود قرارات دولية تدعو لحلها.
وأضاف أن الحكومات المتعاقبة لم تكتفِ بعدم حل هذه التشكيلات، بل قامت بتشريع وجودها من خلال تقديم الدعم المالي لها، مما ساهم في استمرار الفوضى وتكريس الانقسام.
وأشار إلى أن محاولات مبكرة، على غرار قرار الراحل محمود جبريل بحل الميليشيات بعد إعلان التحرير، قوبلت بالرفض وتسببت في تضاعف أعدادها تحت ذريعة “حماية الثورة”، واعتبر أن هذا الوضع المزمن أدى إلى شلل سياسي وأصبح عائقاً أمام أي عملية سياسية مستقرة.

وفي المقابل، أوضح أحميد أن الجيش الوطني الليبي بقيادة القيادة العامة المكلّفة من البرلمان، خاض معارك ضارية استمرت ثلاث سنوات في الشرق، تمكّن خلالها من بسط السيطرة على نحو 80% من الأراضي الليبية، بما يشمل الشرق والجنوب والوسط، وشمال شرق البلاد.
وأكد أن الوضع في طرابلس لا يزال هشاً، مشيراً إلى الاقتتال الذي اندلع مؤخراً بين حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية وميليشيا دعم الاستقرار، والذي انتهى بمقتل قائد الأخيرة، ما زاد من حدة الفوضى.
وأضاف أن الحكومة تسعى حالياً لإنهاء وجود قوات الردع، إحدى أبرز التشكيلات المسلحة في العاصمة، في ظل استمرار تهديدات إرهابية قائمة ورفض داخلي من بعض الجماعات المسلحة لأي تحجيم لدورها.
وحول الوضع الاقتصادي، أشار أحميد إلى أن ليبيا، رغم وصول إنتاجها النفطي إلى مستويات قياسية، لا تزال تعاني من أزمات اقتصادية متصاعدة نتيجة الفساد المستشري، وسوء الإدارة الحكومية، وفشل الإصلاحات المتعلقة بسعر صرف الدينار الليبي.
وأوضح أن القطاع النفطي يعاني من تحديات لوجستية وفنية وأزمات صيانة، وأن العائدات النفطية لم تُوظف في التنمية المستدامة، مما زاد من عمق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وتفاقم حالة عدم الاستقرار.

وفي ما يخص ملف الهجرة غير النظامية، أكد أحميد أن ليبيا باتت نقطة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من إفريقيا وبعض الدول العربية باتجاه أوروبا، مشدداً على أن هذه الظاهرة مرتبطة بمافيات إجرامية ومصالح معقدة تتجاوز القدرات المحلية.
وأشاد أحميد بجهود القيادة العامة للجيش الليبي في دعم جهاز الهجرة غير الشرعية، خصوصاً في الجنوب، لكنه انتقد ما وصفه بـ”تنصل الدول الأوروبية من مسؤولياتها”، موضحاً أن اتفاق التعاون بين ليبيا وإيطاليا الموقع عام 2008 لم يُفعَّل بشكل جاد، وأن الوضع تدهور أكثر بعد 2011.
واختتم بالقول إن أزمة الهجرة أصبحت معضلة مزمنة لا تخص ليبيا وحدها، بل تمتد آثارها إلى تونس والجزائر والمغرب، مشدداً على أن الحل يتطلب إرادة دولية وتعاوناً إقليمياً فعّالاً، ودعماً حقيقياً للجهود الليبية الرامية للحد من هذه الظاهرة.

استخراج جثمانيْن مجهولي الهوية من مقبرة جنوب ترهونة في ليبيا
