أثار تعيين ناجي عيسى رئيساً جديداً للبنك المركزي الليبي ومرعي البرعصي نائباً آمالا في إنهاء أزمة عميقة، لكن السؤال يبقى في قدرة هذا الإجراء على معالجة القضايا التي قسمت البنك.
بدأ الصراع حول البنك المركزي الليبي منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011، وكان محوراً للتنافس بين الفصائل خلال المعارك للسيطرة على مؤسسات ليبيا، وهو ما أثر على قدرة البنك في تسيير أعمال الدولة والحفاظ على الاستقرار المالي، حيث خضع بشكل دائم لضغوط وصلت إلى حد احتجاز بعض موظفيه من قبل الفصائل المسلحة في الغرب الليبي، وأصبح أداؤه خاضعا للتوترات الأمنية بالدرجة الأولى وأصبح من المستحيل أن يعمل بشكل فعال، وانعكس هذا الأمر على الوضع الاقتصادي العام فارتفع التضخم وانهارت قيمة العملة، هذا إضافة لضعف ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية، وأثر أيضاً على استقرار سوق النفط.
وتصاعد الوضع في عام 2024 مع وصول الخلافات حول قيادة البنك إلى تعليق العمليات المصرفية الرئيسية، والإغلاق المؤقت لحقول النفط التي تعد حيوية لاقتصاد البلاد، وفرضت الأزمة حلولا ًسياسية أدت لاجتماع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لتعيين إدارة جديدة للبنك، وانتهت النقاشات باختيار ناجي عيسى محافظا ومرعي البرعصي نائباً للمحافظ، حيث يتمتع عيسى بخبرة تزيد عن ثلاثة عقود في القطاع المالي الليبي، فهو يمتلك خبرة في إدارة معاملات العملات الأجنبية وتنفيذ الإصلاحات التنظيمية؛ تجعله قادراً على تجاوز المرحلة الحالية إذا لم يتعرض لضغوط سياسية كما يحدث مع كافة المؤسسات الليبية الأخرى.
قضية ضريبة تحويل العملة
إن القضية الرئيسية التي ستواجه المحافظ الجديد هي ضريبة تحويل العملة التي فرضتها الإدارة السابقة لمصرف ليبيا المركزي، فهذه الضريبة تم اعتمادها في البداية للسيطرة على الفجوة بين سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي وسعر السوق السوداء، لكنها واجهت انتقادات شديدة لتفاقم التضخم وجعلت التعاملات المالية بالنقد الأجنبي مكلفة جدا، وتم توقيفها بشكل مفاجئ خلال أزمة البنك الأخيرة من قبل المحافظ المؤقت، عبد الفتاح عبد الغفار، الذي تم تعيينه من قبل المجلس الرئاسي.
قوبل قرار عبد الغفار بمقاومة من أعضاء البرلمان، الذين اعتبروا أن إلغاء الضريبة دون خطة اقتصادية شاملة من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة، فنقاشات المجلس توضح أن تعليق هذه الضريبة لم يستند إلى تحليل اقتصادي شامل، فهو رد فعل فقط على السياسات الخاصة لمحافظ البنك الليبي السابق، فيما اعتبرت بعض التحليلات الاقتصادية أنه محاولة لتقويض إرباك الإدارة الجديدة للبنك، فقرار عبد الغفار حسب بعض التحليلات غير ملزم قانونياً، وأن أي تغييرات طويلة الأجل على ضريبة تحويل العملة تتطلب إجماعاً أوسع داخل المؤسسات المالية الليبية.
لا يزال موقف ناجي عيسى بشأن الضريبة غير واضح، ولكن هناك تكهنات بأنه يفكر في إصلاح الضريبة بدلاً من إلغائها تماماً، ويعتقد الخبراء أن أي تغيير في السياسة يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً لتثبيت سعر الصرف، ومعالجة نقص العملة الأجنبية في البلاد، وقدرة عيسى على التعامل مع هذه التحديات المعقدة ستلعب دورا ًفي تحديد مستقبل الاستقرار المالي في ليبيا.
مرعي البرعصي والإصلاح المصرفي
يتوقع المتابعون للشأن الليبي أن تعيين مرعي البرعصي نائباً لمحافظ مصرف ليبيا المركزي، سيلعب دوراً أساسياً في تغيير المشهد بالنسبة للقطاع المصرفي الليبي، فهو شخصية ديناميكية على المستوى المالي العام، ولد ونشأ في بنغازي ويتمتع بخلفية قوية في الاقتصاد مع خبرة في القطاعين العام والخاص، فعمله في الإدارة المالية، إلى جانب علاقاته بالجزء الشرقي من البلاد، يجعله حليفاً لعيسى في محاولتهما توحيد أقسام البنك.
ويتضمن دور البرعصي التركيز على الإصلاح المصرفي وتحسين كفاءة المؤسسات المالية الليبية، ومع تاريخه في العمل على مشاريع تهدف إلى تحديث العمليات المصرفية، فإنه في وضع جيد لإدارة الجهود الرامية إلى إدخال تقنيات جديدة وتحسين الرقابة التنظيمية، فهو تعامل سابقاً في سد الفجوة بين الفصائل المتنافسة داخل القطاع المصرفي الليبي، وسيكون الاختبار الحقيقي للبرعصي في قدرته على العمل جنباً إلى جنب مع عيسى لإعادة بناء الثقة في بنك ليبيا المركزي، حيث عانى البنك لسنوات من سوء الإدارة والفساد، واستعادة مصداقيته تتطلب أكثر من مجرد الخبرة الفنية.
إن تعيين ناجي عيسى ومرعي البرعصي في منصبيهما الجديدين يشكلان تحدياً كبيراً لليبيا، ففي حين يأمل الكثيرون أن تتمكن القيادة الجديدة من جلب الاستقرار إلى اقتصاد البلاد، إلا أن التحديات الكبيرة لا تزال قائمة بسبب الانقسام السياسي بين شرق البلاد وغربها، ومن غير الواضح ما إذا كانت القيادة الجديدة ستتمتع بالسلطة أو الدعم اللازمين لسن الإصلاحات الشاملة المطلوبة.
إن تعيين ناجي عيسى ومرعي البرعصي في قيادة البنك المركزي الليبي يشكل مرحلة في الأزمة المالية المستمرة في ليبيا، فهناك أسباباً للتفاؤل بشأن قدرتهما على جلب الاستقرار إلى البنك، لكن نجاحهما سيرتبط بالوضع السياسي العام وليس فقط بقدرتهما على التعامل مع الواقع الحالي للبنك فقط.
بقلم نضال الخضري
نمو صادرات الصناعات الغذائية المصرية إلى ليبيا بنسبة 18% خلال 7 أشهر