05 ديسمبر 2025

أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، عباس الشراقي، أكد في مقابلة خاصة مع “أخبار شمال إفريقيا” أن إعلان إثيوبيا افتتاح سد النهضة رسمياً في سبتمبر المقبل يمثل استمراراً للتصرفات الأحادية المخالفة للأعراف الدولية.

وقال الشراقي، إن رئيس الوزراء الإثيوبي أعلن مؤخراً هذا الموعد، معتبراً أن هذه التصريحات لا تختلف كثيراً عن سابقاتها عندما بدأت أديس أبابا في ملء السد، حيث صدرت بيانات متتابعة خلال السنوات الخمس الماضية عن الملء الأول والثاني والثالث والرابع والخامس، وهو ما قوبل برفض مصري واضح وصريح لكل هذه القرارات الأحادية المتعلقة بالسد.

وأضاف أن رئيس الوزراء المصري ووزير الري المصري أكدا رسمياً رفض مصر هذه الإجراءات، موضحاً أن القاهرة لن تقف مكتوفة الأيدي، وستتجه لمخاطبة مجلس الأمن الدولي للتعبير عن موقفها الرافض.

وأشار إلى أن سد النهضة بهذه الصورة هو سد غير شرعي، لأن إثيوبيا خالفت جميع الأعراف الدولية وانتهكت مبادئ إعلان مبادئ سد النهضة، لافتاً إلى أن البند الأول في الإعلان ينص على ضرورة التعاون بين الأطراف، لكن لم يحدث أي تعاون من الجانب الإثيوبي خلال مراحل التخزين، كما ينص الاتفاق على عدم التسبب في ضرر للآخرين، إلا أن إثيوبيا قامت بتخزين أكثر من 60 مليار متر مكعب من المياه، يضاف إليها ما يقرب من 20 مليار متر مكعب تبخرت وامتصت، وهي مياه كان ينبغي أن تتجه نحو مصر، بما يعادل تقريباً ضعف الحصة السنوية لمصر.

وأوضح أن مصر سجلت اعتراضها على ذلك، ويتوقع أن يكون هذا الاعتراض رسمياً، مشيراً إلى أنه عند افتتاح السد في سبتمبر، ستقوم مصر بإرسال خطاب إلى مجلس الأمن الدولي لإعلامه بموقفها الرافض لهذه التصرفات الأحادية.

وفيما يتعلق بسياق الخلاف الأوسع بين مصر وإثيوبيا، أكد الشراقي أن ملف سد النهضة جزء من صورة أكبر لخلافات مزمنة بين البلدين، موضحاً أن مصر بدأت المفاوضات مع إثيوبيا منذ مايو 2011، واستمرت المفاوضات قرابة 14 عاماً، حيث انطلقت العشر سنوات الأولى عبر مفاوضات مباشرة دون أي وسيط أو رعاية دولية، وتركزت في البداية على مناقشة مواصفات السد وسعته التخزينية. ومع مرور الوقت، بات سد النهضة أمراً واقعاً، وتطورت مراحل البناء بشكل كبير، لتتحول النقاشات إلى وضع قواعد ملء وتشغيل السد.

وأشار إلى أنه بعد هذه السنوات الطويلة من المفاوضات، لم يتم التوصل إلى أي حل، وقال إن الولايات المتحدة تدخلت برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين نوفمبر 2019 وفبراير 2020، وتم التوافق على صياغة ما تم الاتفاق عليه بشأن الملء والتشغيل وتسوية النزاعات، مع توصية بمشاركة خبراء أمريكيين ومن البنك الدولي، وذكر أن وزراء الدول الثلاث كان من المقرر أن يوقعوا على هذه البنود يوم 29 فبراير 2020، لكن الوفد الإثيوبي تغيب عن التوقيع، في حين وقعت مصر بالفعل على الاتفاق، بينما رفض السودان التوقيع بحجة أن غياب إثيوبيا يعني عدم إمكانية المضي قدماً، وهو ما رأى فيه الشراقي دليلاً على حسن نية مصر.

وأوضح أن الخلافات الكبرى كانت تدور حول سنوات الملء وكيفية مشاركة مصر والسودان في إدارة السد خلال سنوات الجفاف، مضيفاً أن كل جولات التفاوض التالية لم تنجح في حل هذه الإشكاليات، وكان آخرها في ديسمبر 2023.

وبشأن فرص الوصول إلى اتفاق، قال الشراقي إن مصر ترفض النهج الإثيوبي لكنها ليست ضد السد من حيث المبدأ، حيث تؤيد حق إثيوبيا في التنمية وإقامة المشروعات المائية على نهر النيل، شرط عدم الإضرار بدول المصب، وأضاف أن سد النهضة يسبب أضراراً كبيرة لمصر، وأن القاهرة قد تتحمل جزءاً منها إذا كانت في حدود المعقول وليست أضراراً جسيمة.

ولفت إلى أن مصر تمتلك نفوذاً كبيراً في القارة الإفريقية وعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، مشدداً على أن هذه العلاقات تمثل جزءاً من الثقل المصري في مواجهة الأزمة، وذكّر بأن فترة الستينيات كانت العصر الذهبي للعلاقات المصرية الإفريقية، بينما شهدت السنوات الأخيرة تجدد هذا الحضور، خاصة في السودان ودول القرن الإفريقي.

وأوضح الشراقي أن التعاون العسكري مع السودان، وتوثيق العلاقات مع إريتريا والصومال، يعزز موقع مصر الإقليمي، وأشار إلى أن مصر تدعم الحقوق الصومالية في مواجهة اتفاق إثيوبيا مع صومالي لاند للحصول على ميناء في منطقة متمردة.

وأكد أن الولايات المتحدة قادرة على إنهاء الأزمة خلال أيام لو توفرت إرادة حقيقية، مشيراً إلى أن واشنطن بالفعل رعت الاتفاق في عهد ترامب، لكنه تعثر بسبب انشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات، ثم ضعف الإرادة الدولية، وذكر أن عودة ترامب للحديث عن الملف قد تحرك المياه الراكدة، لكن غياب الإرادة الفعلية ما زال عقبة.

وأضاف الشراقي أن إعلان إثيوبيا انتهاء المشروع لا يعني انتفاء الحاجة إلى اتفاق، موضحاً أن السد سيخضع لدورات تفريغ وتخزين متكررة في مواسم الأمطار والجفاف، وهو ما يتطلب تنسيقاً دائماً مع مصر والسودان بشأن إدارة المياه وإنتاج الكهرباء، وحتى إمكانية إقامة سدود أخرى مستقبلاً.

وعن خطط القاهرة لتلافي أزمة المياه، أوضح الشراقي أن مصر اتخذت خلال السنوات الخمس الماضية إجراءات عديدة لحماية المواطنين من آثار سد النهضة، حيث تم ترشيد استهلاك المياه بشكل فعال، وأُعيد استخدام مياه الصرف الزراعي أكثر من مرة بعد معالجتها، وتم تبطين الترع للحد من الفواقد المائية، كما قامت الدولة بحفر نحو خمسة آلاف بئر لاستغلال المياه الجوفية، وإنشاء مشروعات زراعية حديثة توفر المياه وتزيد الإنتاجية.

ولفت إلى أن هذه الجهود كانت مكلفة للغاية، حيث أنفقت مصر أكثر من 500 مليار جنيه على مشروعات مائية، تضمنت محطات معالجة المياه، وتبطين الترع، وتقليل مساحة زراعة الأرز إلى نحو 1.1 مليون فدان فقط بعد أن كانت تصل إلى 2.5 مليون فدان سابقاً، وهو ما يمثل خسارة اقتصادية كبيرة تقدر قيمتها بنحو 5 مليارات دولار سنوياً.

وأشار إلى أن مصر استطاعت عبر هذه الإجراءات الحفاظ على احتياطي مياه السد العالي، وهو ما منع تعرض البلاد لأزمة خانقة، وأكد أن السد العالي كان عاملاً حاسماً في استمرار المفاوضات، وأنه لولا وجوده لكانت الأزمة قد اتخذت منحى أكثر خطورة.

وأضاف أن الدولة المصرية حرصت، رغم التكاليف الباهظة، على زيادة الاحتياطي المائي حمايةً لمواطنيها، وهو ما ساهم في الضغط على الوضع الاقتصادي.

واختتم الشراقي بتأكيد أن مصر ما زالت مصرة على الوصول إلى اتفاق عبر الطرق الشرعية والحلول السياسية والدبلوماسية، مشيراً إلى أن القاهرة تواصلت مع مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي والعديد من الأطراف الدولية، لكنها واجهت رفضاً إثيوبياً مستمراً لأي وساطة، سواء كانت أوروبية أو عربية أو أمريكية.

وأعرب عن أمله في أن تشهد الفترة المقبلة تحركاً جديداً لحماية حقوق مصر المائية وبناء مرحلة تعاون جديدة مع إثيوبيا، مشيراً إلى أن 95% من مياه الأمطار التي تسقط على حوض النيل لا يتم استغلالها حالياً، ما يستدعي تعاوناً حقيقياً لإقامة مشروعات مشتركة للإنتاج الزراعي وتوليد الكهرباء.

 

المغرب يزيد اعتماده على القمح الروسي بشكل كبير

اقرأ المزيد