مئات الليبيين يصطفون منذ الفجر أمام المصارف في مختلف المناطق لسحب رواتبهم وسط أزمة سيولة حادة تتصاعد منذ أيام، ما يفاقم معاناة المواطنين ويثير استياءً واسعاً.
وفي مشاهد تكررت شرقاً وغرباً، تداولت منصات التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة تُظهر طوابير طويلة تمتد أمام المصارف، حيث يقف المواطنون لساعات تحت أشعة الشمس أو في برودة الصباح، خشية نفاد السيولة قبل وصول دورهم.
ويقول مخلص الحراري، ناشط مدني من طرابلس: “الناس تصطف منذ السادسة صباحاً، حتى عندما تُعلن المصارف عن توفر السيولة، نجد أنها لا تكفي الجميع، وغالباً ما تنفد قبل منتصف النهار”.
وفي مصراتة، رصدت وسائل إعلام محلية شكاوى مواطنين من عدم توافر السيولة، مؤكدين أن موظفي أحد الفروع أبلغوهم بعدم استلام أي مخصصات نقدية، رغم وعود السلطات النقدية بضخ سيولة.
وأما في الشرق، فقد شهدت مدينة أجدابيا مشاهد تدافع مع انتظار المواطنين منذ فجر الأحد، بحسب شهادة المواطن صلاح محمد.
ويعزو موظفون مصرفيون الأزمة إلى “الضغط الكبير على الفروع” ونقص الكميات المرسلة من المصرف المركزي، فيما يربط خبراء ومواطنون الأزمة بضعف الثقة في الجهاز المصرفي وارتفاع الرسوم على الخدمات الأساسية، وهو ما ظهر في هتافات غاضبة وثقتها تسجيلات متداولة.
الخبير الاقتصادي إدريس الشريف أوضح أن “سحب أكثر من 20 مليار دينار من التداول (من فئات 50 و 20 و 5 دنانير) من دون توفير بدائل كافية، في اقتصاد يعتمد على النقد، كان نتيجته الحتمية أزمة السيولة الراهنة”، في إشارة إلى قرار المصرف المركزي خلال الصيف الماضي بسحب فئات نقدية محددة بدعوى مكافحة التزوير وتنظيم الكتلة النقدية.
ومن جهتها، انتقدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا ما وصفته بـ”استمرار سوء أداء المصارف التجارية”، معتبرة أن الطوابير الطويلة أمام الفروع “تجسد مشاهد مستمرة من إذلال المواطنين والمقيمين”.
وحمّلت المؤسسة المصرف المركزي مسؤولية الأزمة، مشيرة إلى أن سحب كميات مالية ضخمة من السوق من دون بدائل أدى مباشرة إلى الوضع الراهن، مطالبة بضمان كرامة المواطنين وتحسين الخدمات المصرفية وإنهاء مشاهد التزاحم المهين.
وفي المقابل، أعلن مصرف ليبيا المركزي، الخميس الماضي، ضخ نحو ملياري دينار ليبي في المصارف التجارية ضمن “مرحلة أولى من خطة شاملة لضمان توفر النقد”، مؤكداً العمل على خطة لتوزيع السيولة بانتظام وتعزيز الاعتماد على التقنيات المالية الحديثة.
ولكن خبراء اقتصاديين، ومن بينهم مختار الجديد، يرون أن ضخ الأموال لا يكفي لمعالجة الأزمة جذرياً، مطالبين بـ”إرادة واضحة لتنظيم السوق وضبط السياسة النقدية” بهدف إنهاء الأزمة قبل حلول شهر رمضان المقبل.
وحذّر الجديد من أن “الاعتماد المفرط على الطباعة وإعادة هيكلة العملة من دون ضوابط قد يؤدي إلى موجة تضخم جديدة، في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية”.
ويرى خبراء أن ضعف الثقة في النظام المصرفي يدفع كثيرين إلى الاحتفاظ بالأموال نقداً في المنازل، ما يفاقم نقص السيولة، في حين زادت الرسوم المصرفية المرتفعة من غضب المواطنين الذين يجدون أنفسهم يدفعون ثمن الأزمة مرتين: عبر نقص السيولة وارتفاع التكلفة.
وأما المصرف المركزي، فيعتبر أن التوسع في خدمات الدفع الإلكتروني هو “الطريق نحو التحول الرقمي وتقليل الاعتماد على النقد”، غير أن مختار الجديد تساءل عن “الخلل المفاجئ” في المنظومة الإلكترونية خلال اليومين الماضيين، قائلاً: “لولا الدفع الإلكتروني لكانت الأزمة أكبر، لكن توقف النظام المتكرر زاد معاناة الناس”.
نمر يقتل طفلاً في ليبيا.. والحكومة تتخذ إجراءات صارمة
