29 أكتوبر 2024

يطرح الصراع السياسي المستمر بين المجلس الرئاسي لليبيا، بقيادة محمد المنفي، ومجلس النواب، برئاسة عقيلة صالح، مسألة الشرعية في ليبيا التي تؤثر حتى على عملية التفاوض من أجل الانتخابات.

ظهر المجلس الرئاسي الليبي عام 2016 كجزء من التوازن السياسي وتوحيد السلطة في البلاد، وكان من المفترض أن يشكل هيئة للتوافق بعد التقلبات السياسية لمرحلة ما بعد نظام معمر القذافي، لكن المجلس ومنذ ملتقى الحوار السياسي الليبي2020ظهر كقوة إضافية على مسرح الصراع السياسي.

وكافة الترتيبات التي ظهرت بعد عام 2014 كانت محكومة بالسيطرة على الفصائل الموجودة على الأرض، وهو ما حول المجلس الرئاسي إلى حالة منحازة داخل المشهد الليبي، وأدخله أكثر من مرة في تناقض صارخ مع مجلس النواب الموجود أساسا في الشرق الذي أزاح التواجد المسلح للفصائل وحقق توازنا على مستوى الاستقرار.

أصول النزاع: لجنة الاستفتاء الوطنية

جوهر الصراع الحالي بين مجلسي الرئاسة والنواب جاء بعد قرار المنفي في أغسطس 2024 إنشاء لجنة جديدة للإشراف على استفتاء وطني، وحسب ما يطرحه المنفي فإن الهيئة تهدف إلى قياس الرأي العام بشأن الحلول السياسية، واعتبرها خطوة ضرورية لإضفاء الشرعية على الانتخابات، لكن مجلس النواب عارض هذا القرار من مبدأين أساسيين:

  • الأول أن اللجنة تنتهك الإعلان الدستوري للبلاد، فهناك لجنة الانتخابات الوطنية العليا التي تملك كل الصلاحيات وهي التي تضفي الشرعية على العملية الانتخابية ككل، فالهيئة التي قرر المنفي إنشاءها لا تنتهك الإعلان الدستوري فقط، بل هي تعدي على الشرعية، وتحاول خلق كيان جديد يدخل في صراع مع المؤسسات الدستورية.

  • الأمر الثاني هو تعدي المنفى على السلطة التشريعية، حيث أصر رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، على أن أي قرارات تنطوي على إجراءات مرتبطة بالاستفتاء الوطني أو المسائل الدستورية هي من صلاحيات مجلس النواب، لأنها تحمل معها ضرورة التوافق الوطني الذي يجسده ممثلو الشعب في المجلس.

ويقدم هذا الصراع صورة واضحة لتعدي المؤسسات التنفيذية على باقي السلطات، فقرار المنفي بإنشاء لجنة الاستفتاء شكل تحديا مباشرا للسلطة التشريعية وأثار مخاوف أعمق بشأن هشاشة الإطار السياسي الانتقالي المتفق عليه في جنيف في عام 2021.

ويستند مجلس النواب في اعتراضه على القرار من تفسير الإعلان الدستوري الذي يضع المجلس كهيئة تشريعية أساسية، وأي تغييرات كبيرة على هيكل الحكم في ليبيا يجب أن تنطوي على تعديلات دستورية تقع ضمن اختصاص مجلس النواب، فالمنفي تجاوز الصلاحيات الممنوحة له بموجب اتفاقيات جنيف.

من جانب آخر فإن ما يطرحه المنفي من أن لجنة الاستفتاء هي آلية أساسية لكسر الجمود الذي أصاب مؤسسات ليبيا؛ يشكل جزء من الصراع السياسي وذلك في محاولة للسيطرة على القرارات الأساسية في الدولة.

وأن تأخير التقدم السياسي لا يرتبط بسيطرة مجلس النواب على العمليات التشريعية الرئيسية، إنما بطريقة التفكير السياسي الذي يرسم مسارا وحيدا وسريعا دون الدخول في توافق وطني عام.

والوضع الليبي ووفق المعطيات التي حكمت العملية السياسية منذ بدايتها له أبعاد إقليمية ودولية، وهو ما يجعل مسألة “الشرعية” أساسية لضمان عدم التأثير الخارجي على العملية الانتخابية، فمجلس النواب يطرح التمثيل الأكثر قبولا للحفاظ على الشرعية وفق الإعلان الدستوري.

القضايا الأساسية المطروحة

هناك عدة قضايا رئيسية في الخلاف بين مجلسي الرئاسة والنواب، فمجلس النواب يرى هيئة الاستفتاء تعديا على صلاحياته الدستورية، فأي تغيير في النظام الدستوري يتطلب موافقته، لكن المنفي ورئيس الوزراء المنتهي الولاية، عبد الحميد دبيبة، يصران على إنشاء الهيئة في محاولة لمنع مجلس النواب من التحكم في مسار الانتخابات، وهذا الإصرار سياسيا بامتياز يتجاوز الصلاحيات الدستورية ويقفز على الشرعية.

 

من جانب آخر فإن خطوة المنفي باللجوء إلى الشعب عبر الاستفتاء تعد مغامرة محفوفة بالمخاطر. فهناك احتمال أن تلقى هذه الخطوة دعما شعبيا، لكنها تعمق الأزمة على مستوى مؤسسات الدولة وثقة الليبيين بالشكل السياسي القادم لبلادهم، وضمن صورة أوسع فإن مثل هذا القرار سيصطدم بالديناميكيات الدولية، فالمصالح المتضاربة للقوى الخارجية داخل ليبيا ستجد فرصة جديدة لدعم طرف على حساب آخر ما يعقد الجهود الرامية لحل النزاع.

في قلب هذا النزاع تكمن أزمة شرعية أعمق لأنه يجسد محاولة لكسر تمثيل إرادة الشعب الليبي، فالجمود السياسي الحالي سببه الهياكل السياسية الهشة التي نشأت بعد الثورة الليبية، والاتفاقات السياسية مثل اتفاق جنيف التي أوجدت المجلس الرئاسي وكانت تهدف إلى أن تقدم حلولا مؤقتة للأزمة، لكنها أصبحت الآن جزءاً من المشكلة، حيث تستمر هذه المؤسسات في التصادم بدلا من التعاون.

من الناحية القانونية والدستورية، فإن موقف مجلس النواب يحمل وزنا كبيرا عبر دوره كسلطة تشريعية، فهو يملك الحق في مراقبة أي تغييرات تتعلق بالاستفتاءات أو الدستور.

وأن خطوة المنفي بإنشاء مؤسسة موازية يمكن اعتبارها تجاوزا للصلاحيات التنفيذية، والتبريرات حول إخفاق مجلس النواب في تسريع التحول السياسي لا تلغي شرعيته، فالإحباط الحقيقي هو في استمرار السلطة التنفيذية في موقعها رغم انتهاء ولايتها الدستورية، وكان عليها أن تشرف على إجراء الانتخابات قبل أن تنتهي المدة القانونية لبقائها في السلطة.

بقلم مازن بلال

تقرير.. انخفاض إنتاج أوبك في سبتمبر بسبب تراجع الإمدادات الليبية

اقرأ المزيد