22 نوفمبر 2024

كشفت الأحداث الأخيرة في تشاد هشاشة التزامات الغرب بالقواعد الديمقراطية فالانقلاب العنيف في تشاد يوضح الصراع المعقد للتحالفات والمصالح التي تحدد المشهد السياسي في المنطقة.

الحدث بدأ مع اعتقال يحيى ديلو جيرو، زعيم “الحزب الاشتراكي بلا حدود”، وهو ابن أخ الفريق محمد إدريس ديبي إتنو رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي أعلن الجيش عن تشكيله لقيادة البلاد، وذلك بعد حلّ الحكومة والبرلمان إثر وفاة الرئيس إدريس ديبي، والد الرئيس المؤقت الحالي، في 20 أبريل 2021، ثم تطور الحدث بقتل جيرو في مقدمة لانقلاب جديد دبرته الحكومة لتوطيد دعائمها، واحتكار السلطة قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، الأمر الذي كشف سيناريو يمهد الطريق لانتصار محمد ديبي في الانتخابات.

 عمليا فإن رئيس تشاد المؤقت، الفريق محمد إدريس ديبي إتنو، أعلن أنه سيخوض السباق الرئاسي الذي طال انتظاره هذا العام، ووفق تقارير غربية فإن ترشيحه حظي بتأييد ممثلي الجماعات اليسارية، التي تشكل الائتلاف من أجل تشاد موحدة، ويأتي إعلان الزعيم العسكري، بعد ثلاثة أيام فقط من مقتل منافسه في الانتخابات، دجيرو، بالرصاص في العاصمة نجامينا.

ويجد الغرب، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة، معضلة دعم حليف استراتيجي في منطقة مضطربة، فمحمد إدريس ديبي، والد الرئيس المؤقت الحالي، كان حليفا لفرنسا والولايات المتحدة طوال ثلاث عقود، وأحكم قبضته على تشاد لمدة طويلة، وذلك في المعارك ضد المتشددين الإسلاميين في منطقة الساحل الإفريقي، ويطمح ابنه في الاستمرار بالحكم عبر نفس تحالفات والده، وذلك عبر نفس تكتيك القتال ضد القوى الجهادية في منطقة الساحل، وشريك رئيسي في جهود مكافحة الإرهاب، والأحداث التشادية الحالية تضع الغرب أمام امتحان ادعاءاته في دعم الديمقراطية في تشاد أو التمسك بحليف عسكري قديم.

ووضعت أحداث العنف الأخيرة في تشاد مواقف الأطراف الدولية على محك منطقة مشتعلة بالكامل، فالرواية الأوروبية عن تعزيز الديمقراطية تسقط نهائيا وسط مشهد جيوسياسي يرتبط برد فعل الغرب على الانقلاب، أو التعامل مع الأمر الواقع وفتح الباب لصراعات تشادية داخلية؛ مما يعزز احتمالات تدخلات دولية إضافية وتصاعد مخاوف الغرب من احتمال تعزيز الدور الروسي في تلك المنطقة، فتقويض الدولة الهشة بات أحد السيناريوهات التي تدور حولها لعبة المصالح، ومن المستبعد قيام الولايات المتحدة أو فرنسا بموقف استباقي ضد عوامل عدم الاستقرار، حيث من المرجح أن تستخدما المساعدات الأجنبية والمؤسسات الدولية بشكل أكثر ديناميكية لتعزيز تواجدهما الحالي بغض النظر عن اللعبة السياسية الداخلية في تشاد.

في المقابل فإن اغتيال يحيى ديلو جيرو مؤخراً يمثل تصعيدا خطيرا في أساليب قمع المعارضة، فـ”جيرو” وضع نفسه في دائرة الخلاف مع النخبة الحاكمة، ومقتله إلى جانب العديد من أنصاره أثناء مداهمة الجيش لمقر حزبه، مؤشر واضح على التوترات التي يحملها المستقبل للبلاد، وللانقسامات العميقة داخل المجتمع والسياسة التشادية، لا سيما داخل جماعة الزغاوة العرقية، التي لعبت دورا مهيمنا في حكم البلاد لعقود من الزمن، ويكشف التنافس بين جيرو وديبي، وكلاهما ينحدر من هذا المجتمع المؤثر، الضوء على التفاعل المعقد بين الروابط العائلية والسلطة السياسية والقوة العسكرية التي تميز الطبقة الحاكمة في تشاد.

ولم يكن إعلان الجنرال ديبي لاحقا عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة مفاجئا، لكن التطورات التي رافقت هذا الترشح وسط تحشيد العسكر والدعم السياسي المنسق؛ يثير تساؤلات جدية حول نزاهة العملية الانتخابية، فهذه الخطوة وفق مؤشر أولي تهدف إلى إدامة سلطة الأسرة الحاكمة، مع ضمان الدعم العسكري الذي يكفل ترجيح كفة الميزان لصالح ديبي.

وتحمل الأهمية الاستراتيجية لتشاد، على المستويين الإقليمي والدولي، تعقيدا كونها ركيزة أساسية في المشهد الأمني في منطقة الساحل، فاستقرار البلاد يشكل أهمية بالغة في الحرب ضد الإرهاب وإدارة تدفقات الهجرة نحو أوروبا، ولكن نفوذ المجتمع الدولي خاضع لاستقطاب دولي وسط انقلابات طالت أكثر من دولة إفريقية، حيث تحظى المصالح الاستراتيجية بالنسبة للغرب تحديدا بالأسبقية على مسائل الاستقرار أو السلام الداخلي، ورغم أن الرهانات على الانتخابات القادمة لم تكن تحمل في جوهرها أي توقعات بتغيير جوهري، لكنها كانت بالنسبة لفرنسا والولايات المتحدة فرصة لإنتاج شرعية موالية لها، حيث من المتوقع أن تدعم إجراءها رغم كونها حالة توازن جديدة لفرض سلطة عسكرية.

بقلم مازن بلال

ليبيا تعرض على روسيا إنشاء مصفاة للنفط على أراضيها

اقرأ المزيد