نواب فرنسيون بقيادة لوران لارديت يطلقون مبادرة لتخفيف التوتر بين فرنسا والجزائر، والذي أثر سلباً على التعاون في الأمن والهجرة، وتشمل المبادرة تعزيز العلاقات الاقتصادية ومناقشة القضايا العالقة.
أعلن عدد من النواب الفرنسيين عن إطلاق مبادرة جديدة بقيادة النائب عن الحزب الاشتراكي لوران لارديت، تهدف إلى تخفيف حدة التوتر غير المسبوق بين الجزائر وفرنسا، والذي وصل إلى مرحلة حرجة أدت إلى توقف قنوات التعاون التقليدية بين البلدين في مجالات الأمن والهجرة والقضايا الثقافية.
وتأتي هذه المبادرة في إطار عمل “مجموعة الصداقة الفرنسية الجزائرية” داخل الجمعية الوطنية الفرنسية، التي يرأسها لارديت، النائب عن مدينة مرسيليا التي تضم جالية جزائرية كبيرة.
وكشفت صحيفة “لابروفانس” الفرنسية تفاصيل المبادرة، مشيرة إلى أنها تضم 45 نائباً، معظمهم يمثلون محافظات الجنوب الفرنسي، بينهم ثلاثة نواب من أصول جزائرية وهم صبرينة صبايحي من حزب “البيئة أوروبا”، وفتيحة كلوة حاشي من الحزب الاشتراكي، وإيدير بومرتيت من حركة “فرنسا الأبية”.
ونقلت الصحيفة عن لارديت قوله إن العلاقات بين الجزائر وفرنسا “تشهد توتراً حالياً بسبب قضايا مثل سجن الكاتب بوعلام صنصال وإصدار أوامر بترحيل بعض الجزائريين من الأراضي الفرنسية”.
وأضاف أن “هناك حاجة للحذر من الصراعات السياسية الداخلية في فرنسا، حيث يسعى رئيس الوزراء فرانسوا بايرو إلى محاصرة وزير الداخلية برونو لوبتي، الذي يحاول بدوره كسب دعم اليمين المتطرف تحسباً للانتخابات الرئاسية المقررة عام 2027”.
وأشار لارديت إلى أن مدينة مرسيليا تضم حوالي 300 ألف شخص من أصول جزائرية، بما في ذلك أبناء وأحفاد الجزائريين والأقدام السوداء، مؤكداً أن “من واجبنا تسليط الضوء على أهمية هذه العلاقة في وقت يحتاج فيه كل بلد أوروبي إلى تحديد الحلفاء الذين يمكنه الاعتماد عليهم”.
ووفقاً للمصدر نفسه، كشف لارديت عن خطة عمل تهدف إلى إصلاح العلاقات الثنائية المتدهورة، تشمل مواصلة العمل على قضايا الذاكرة المشتركة وتعزيز التبادلات الاقتصادية، خاصة عبر الطرق البحرية بين مرسيليا والموانئ الجزائرية، كما أعلن عن طلبه عقد جلسة استماع مع سفير فرنسا في الجزائر، ستيفان روماتي، لمناقشة سبل تحسين العلاقات.
وتواجه العلاقات الجزائرية الفرنسية توتراً متزايداً في الفترة الأخيرة بسبب عدة قضايا، أبرزها قرار السلطات الفرنسية ترحيل عدد من المهاجرين الجزائريين بتهمة التحريض على العنف والإخلال بالنظام العام، وهو ما رفضته الجزائر.
كما شكلت قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، الذي يُعتقل في الجزائر منذ منتصف نوفمبر الثاني الماضي، ورقة ضغط على الجانب الجزائري.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد وصف اعتقال صنصال بأنه “تعسفي”، مشيراً إلى أن هذه القضية تحتاج إلى حل قبل استعادة الثقة الكاملة بين البلدين. من جانبها، اتخذت السلطات الفرنسية إجراءات بمنع دخول مسؤولين جزائريين دون تأشيرة، وهو ما اعتبرته الجزائر انتهاكاً لاتفاقيات الإعفاء المتبادل من التأشيرة لحاملي الجوازات الدبلوماسية أو الخاصة بمهام رسمية، محذرة من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى “عواقب غير محسوبة”.
وعلى مدار التاريخ، شهدت العلاقات الفرنسية الجزائرية حالات متكررة من الشد والجذب حول قضايا خلافية، منها قضية الذاكرة المتعلقة بالاستعمار، والخلافات الاقتصادية، وقضايا الهجرة، والاختلافات السياسية.
إلا أن المتابعين لتطورات الأزمة يرون أن التقارب الفرنسي المغربي، واعتراف باريس بمغربية الصحراء، وتعهد الرئيس الفرنسي بقيادة جهود دولية لدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي طرحتها الرباط عام 2007، هي العوامل التي أثارت التوترات الأخيرة.
ونقلت مصادر إعلامية عن المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا قوله إن “مراجعة الاتفاقيات بين باريس والجزائر تعني إخضاع الجزائريين لما يمكن تسميته بالقانون العام”، مشبهاً التراجع عن هذه الاتفاقيات بـ”تحدٍ ضمني وغير واعٍ لما وقعه الرئيس الفرنسي في عام 1962، أي اتفاقيات إيفيان”.
وأضاف ستورا أن الحل الوحيد الممكن هو “اللجوء إلى المفاوضات، مع مراعاة خصوصيات الوضع الحالي، حيث يعيش العديد من الجزائريين أو الفرنسيين من أصول جزائرية في فرنسا، وهو ما يخلق تدفقاً عبر الروابط العائلية القائمة”.
وأشار إلى أن هذا الواقع “يخلق مساحة مختلطة فرنسية جزائرية كبيرة، وهي إرث من تاريخنا المشترك ويمكن التفاوض حولها”.
واختتم ستورا بالقول إن “التحدي الحقيقي يتمثل في البحث عن سبل التهدئة بدلاً من إعادة إيقاظ الذكريات المؤلمة باستمرار”.
تعاون جزائري مع النيجر لإطلاق مشروع بتروكيماوي