قرار رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب في شرق ليبيا، أسامة حماد، القاضي بإعادة تشكيل مجلس إدارة لمفوضية المجتمع المدني، يعيد الجدل مجدداً حول شرعية إدارتين منقسمتين بين طرابلس وبنغازي.
وتشرف المفوضية على تنظيم المجتمع المدني في البلاد، بما يشمل منح التراخيص للمنظمات المحلية، وتنظيم عمل المنظمات الدولية العاملة في ليبيا.
وفيما رفضت انتصار القليب، رئيسة المفوضية في طرابلس، قرار حكومة حماد واعتبرته “غير شرعي” و”سياسيّاً”، رأت أن القرار “يفتقد للسند القانوني”، لتعدّيه على اختصاص نظمّه قرار صادر عن المجلس الرئاسي السابق في عام 2018 بشأن تنظيم المفوضية، وشددت القليب على أن المجلس الرئاسي هو “المرجع التنفيذي الأعلى” بموجب الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات والمعتمد دولياً.
وفي المقابل، عبّر محمود البرعصي، رئيس مجلس المفوضية في بنغازي، عن موقف مخالف، رافضاً الاعتراف بقرار المجلس الرئاسي، ومؤكداً أن مقر المفوضية بحسب قرار مجلس الوزراء لعام 2012 هو بنغازي، وقد تم تأسيس المفوضية حينها باسم “مركز دعم منظمات المجتمع المدني”، ثم تغير اسمها إلى “مفوضية المجتمع المدني” في عام 2013 خلال حكومة علي زيدان.
وأكدت القليب أن القرار الأخير “أوقف تنفيذه بحكم قضائي واجب النفاذ”، مما يجعل أي إجراء مبني عليه “باطلاً قانوناً”، في المقابل، اعتبر البرعصي أن الحكم القضائي المذكور “تحصيل حاصل”، ولا يمنع حكومة حماد من تنفيذ قرار إعادة تشكيل مجلس الإدارة، مستنداً إلى أن القرار صادر عن رئيس الجسم التشريعي، “أعلى سلطة في الدولة الليبية”.
وتعمّق الجدل القانوني أكثر، إذ أشار البرعصي إلى أن القرار الصادر عن مجلس النواب عام 2023، والذي يقضي بـ”توحيد المفوضية” وتشكيل مجلس إدارة برئاسة مبروكة بالتمر، يدعم الخطوة الأخيرة، ولفت إلى أن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، كان على علم بإعادة التشكيل و”بارك هذه الخطوة”.
وعلى خلفية هذا الصراع القانوني، أعلن الطرفان في طرابلس وبنغازي عزمهما اتخاذ إجراءات احترازية، فقد أشارت القليب إلى نيتها تقديم طعن رسمي في قرار حكومة حماد أمام الجهات القضائية، إلى جانب مراسلة بعثة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لشرح الموقف القانوني، ومنع الاعتراف بأي “جسم غير قانوني”، بحسب تعبيرها، كما دعت منظمات المجتمع المدني الوطنية والمحلية إلى عدم التعاون مع مفوضية موازية “خارج الإطار القانوني”.
ومن جهته، قال البرعصي إن البرلمان الليبي قد يصدر قريباً قراراً بنقل تبعية المفوضية إليه مباشرة، ما من شأنه إسقاط الحجج القانونية التي تُثار بشأن شرعية مجلس إدارة بنغازي، وأضاف أن قرار إعادة التشكيل “جاء منصفاً” ويشمل تمثيلاً من مختلف مناطق ليبيا، معبراً عن أمله في “عودة الأمور إلى نصابها القانوني، تحت إدارة واحدة مقرها بنغازي”.
ويأتي هذا الجدل في ظل بيئة تنظيمية معقدة وصفت بـ”العدائية” و”الطاردة”، حيث سبق أن أعربت مفوضية حقوق الإنسان عن قلقها من تصاعد القيود المفروضة على المجتمع المدني في ليبيا.
وفي هذا السياق، أشار الناشط الحقوقي طارق لملموم إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في الانقسام، بل في سيطرة الأجهزة الأمنية والميليشيات، خاصة جهاز الأمن الداخلي، على مفوضية المجتمع المدني، مما يعوق عملها، وقال لملموم إن منظمات المجتمع المدني لا تتعامل عملياً مع المفوضية منذ عام 2018.
يذكر أن ليبيا شهدت في أبريل الماضي تعليق أنشطة ست منظمات إنسانية دولية، بقرار من جهاز الأمن الداخلي، بدعوى ارتكاب “تجاوزات خطيرة”، رغم أن بعضها كان يعمل بتراخيص رسمية صادرة عن المفوضية.
خبيرة مصرية: العاصفة التي ضربت ليبيا لن تؤثر على مصر