في مقابلة خاصة مع “أخبار شمال إفريقيا” رسم الباحث في الشؤون العربية-الإفريقية علي فوزي خريطة شاملة لمواقف القاهرة حيال أكثر الملفات سخونة في محيطها، إلى جانب قراءته لتداعيات الحرب السودانية.
واستهلّ فوزي حديثه بالتأكيد على أنّ الأمن القومي المصري هو البوصلة التي تُوجّه تحرّكات القاهرة الخارجية، وفي مقدمتها ملفّ قطاع غزة، فمصر، كما قال، “تقف بشكل كبير مع الأشقاء الفلسطينيين”، إذ تفتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية وتتحرّك دبلوماسياً “لإرساء دعائم وقف إطلاق النار ووقف العدوان الغاشم والإبادة الجماعية ضدّ السكان المدنيين”.
وأوضح أنّ القاهرة هي “الوسيط الرئيسي” بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وأن نجاح هذا الجهد مرهون بإدراك المجتمع الدولي لحجم المأساة التي يعيشها القطاع.
وانتقل الباحث إلى الملف السوداني، مشيراً إلى أنّ مصر تضع وحدة الدولة السودانية في سلّم أولوياتها، لأنّ استمرار الحرب الداخلية “يهدّد مباشرةً حدودها الجنوبية ويُطلق العنان لجماعات متطرّفة في القرن الإفريقي”.
و أشار فوزي إلى اللقاءات المتكرّرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، معتبراً أنّها دليل على “التزام القاهرة بتعزيز مؤسسات الدولة السودانية” وتثبيت مجلس السيادة “كركيزة للاستقرار”.
ووصف الوضع الإنساني في السودان بأنّه “خطير جداً”، إذ “لا يحصل كلّ المحتاجين على الدعم الأممي”، وتوقّع أنّ استمرار القتال سيُفاقم أزمة اللاجئين ويزيد الضغوط على دول الجوار وفي مقدّمتها مصر.
وحذّر فوزي من أنّ طول أمد الصراع يعني “انحداراً واضحاً في استقرار المنطقة برمّتها، ويعطي دفعة للجماعات الجهادية”، وذهب أبعد من ذلك بقوله إنّ المشهد “يشبه، من حيث التعقيد، ما يجري بين روسيا وأوكرانيا”.
وحول ليبيا، أوضح فوزي أنّ القاهرة “لا تزال تدعو إلى استقرار المؤسسات الليبية” عبر دعمها للبرلمان المنتخب برئاسة عقيلة صالح وتأييدها للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وأكّد أنّ “أمن ليبيا جزء لا يتجزّأ من الأمن القومي المصري”، نظراً إلى الحدود الطويلة المشتركة وتشابك المصالح الاقتصادية والأمنية.
وفي المحور الاقتصادي، قدّم فوزي سرداً تفصيلياً للأزمات التي واجهتها مصر، وقال إنّ الاقتصاد “يعاني منذ نحو ستين عاماً”، لكنّ آثار التراجع لم تتجلَّ بوضوح إلّا بعد أحداث 2011 حين “توقّفت المؤسسات وخرج المستثمرون وشحّت الاستثمارات الجديدة”.
وأوضح أنّ الدولة تبنّت منذ تولّي الرئيس السيسي “برامج تنموية ومشروعات بنية تحتية ضخمة”، وأنّ تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين تشير إلى تحسّن في مؤشّرات النمو برغم التحديات.
ولفت إلى أنّ مصر تستضيف نحو تسعة ملايين ضيف، وقد يصل الرقم الحقيقي إلى 15 مليوناً، ما يشكّل عبئاً هائلاً على الخدمات والموارد.
واعتبر فوزي أنّ تحسين مناخ الاستثمار يظلّ رهناً بالأمن والاستقرار، مشيراً إلى تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بأنّ القاهرة “لن تعود إلى الوراء” وأنّها “فعّلت الاتصال بالمؤسسات الدولية لتحريك عجلة الاقتصاد”.
وعن الوضع الأمني داخل مصر، أكّد فوزي أنّه “مستقر بفضل تضحيات ضخمة من الجيش والشرطة”، ولا سيّما في سيناء. مضيفاً أن القوات المسلّحة نجحت في القضاء على بؤر الإرهاب، ما عزّز ثقة الرأي العام في القيادة السياسية، وتكاتف الشعب حول قرارات الدولة ظهر جليّاً في أكثر من مناسبة، وهو عنصر حاسم في منع أيّ اختراق أمني.
وأبرز فوزي في حديثه ما وصفه بـ”التدخّل القوي والملحوظ” لقوى إقليمية ودولية في حرب السودان، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الجيش السوداني وصفها بأنّها “تزيد تعقيد المشهد”، بينما يتهم الجيش واشنطن “بالتغطية على تسليح الدعم السريع”.
وأوضح أن بعض الدول العربية تؤيّد الجيش، وأخرى تمدّ الدعم السريع بالسلاح، فيما تحاول قوى كبرى استغلال ثروات إفريقيا وتحويل السودان إلى ساحة صراع موارد.
ونبّه إلى أنّ “الصراع الطاحن” يخلق فراغاً أمنياً على حدود مصر وليبيا وتشاد وإثيوبيا، مطالباً القوى الكبرى “بنظرة إنسانية جادّة لوقف الحرب”.
وتناول فوزي التقدّم الميداني الأخير للجيش السوداني، مُعتبراً أنّه “بدّل ميزان القوة لصالحه بعد أن كان حميدتي مسيطراً على الخرطوم”: مشيراً إلى سيطرة الجيش على ولاية الجزيرة وأجزاء واسعة من الخرطوم وجنوب كردفان.
ورأى أن التفوّق الميداني يمنح الجيش ورقة ضغط على طاولة المفاوضات، لكنّه حذّر في الوقت نفسه من “وهم الحسم العسكري”، قائلاً: “لا بديل عن حلّ سياسي شامل لأنّ السودان يعاني بشدّة”.
ولفت إلى “تأييد شعبي كبير للجيش حتى من معارضين للبرهان”، لأنّ “قوات الدعم السريع تُنظر إليها داخلياً كعصابات لا يمكن أن تكون جيش دولة”.
وختم الباحث علي فوزي حديثه بالتشديد على أنّ الحروب في غزة والسودان وليبيا لا يمكن إخمادها سوى بعودة الأطراف المتصارعة إلى طاولة المفاوضات، داعياً المجتمع الدولي إلى “تحمّل مسؤولياته” ودعم مسارات سلام حقيقية، ومؤكداً أنّ استقرار مصر يظلّ “ركيزة أساسية لاستقرار الإقليم بأسره”.
لأول مرة منذ 2007.. ليبيا تطلق جولة تراخيص للتنقيب عن النفط والغاز