إعلان المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا شطب “جبهة تحرير تيجراي” من سجل الأحزاب السياسية وسحب الاعتراف القانوني بها، أثار ردود فعل غاضبة وأسئلة جوهرية بشأن مستقبل عملية السلام في إقليم تيجراي.
ومثّل القرار، الذي ردت عليه الجبهة بالرفض واعتبرته “غير شرعي”، تصعيداً جديداً في العلاقة المتوترة بين الحكومة الفيدرالية والجبهة، التي وقّعت معها اتفاق سلام هش في بريتوريا نهاية عام 2022، بعد حرب دامية استمرت لعامين وأودت بحياة الآلاف.
ورغم أن القرار استند إلى اتهامات بعدم الامتثال لمتطلبات التسجيل القانوني، إلا أنه سلّط الضوء مجدداً على هشاشة عملية السلام، وعلى عمق الهوة بين الحكومة المركزية والإقليم، وفق مصادر مطلعة.
ووفق بيان المجلس الوطني للانتخابات، فإن قرار شطب الجبهة جاء نتيجة لعدم إيفائها بالتزاماتها القانونية بعد تسجيلها المشروط في أغسطس 2024، إذ لم تعقد مؤتمرها العام ضمن المهلة المحددة، مما دفع المجلس إلى تعليق أنشطتها لثلاثة أشهر، قبل أن يصدر قرار الشطب النهائي.
وفي المقابل، شددت “جبهة تحرير تيجراي” على أن الاتفاق السياسي الموقع في بريتوريا يمنحها “شرعية قانونية وسياسية لا تحتاج معها إلى شهادة المجلس الانتخابي”.
واعتبر رئيس الجبهة دبراصيون جبراميكائيل في بيان رسمي، أن القرار “غير شرعي”، مؤكداً أن اتفاق بريتوريا يمثل “إطاراً سياسياً شاملاً” ولا علاقة له بالموقف القانوني للمجلس الانتخابي.
وأضاف جبراميكائيل أن سحب الاعتراف بالجبهة يشكّل “خرقاً مباشراً” لبنود الاتفاق، مطالباً الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا “إيغاد” والمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لحماية اتفاق السلام.
ومن جانبه، قال السفير رضوان حسين، مدير جهاز المخابرات والأمن الوطني الإثيوبي وكبير مفاوضي الحكومة في محادثات بريتوريا، إن بعض “الصقور الصغيرة” داخل الجبهة ندمت على توقيع الاتفاق، وتحاول إعادة إشعال الصراع عبر استغلال معاناة المدنيين وافتعال أزمات تعيق التنفيذ.
وفي مقابلة بثتها وكالة الأنباء الإثيوبية عبر القنوات الرسمية، أبدى حسين استغرابه من تواصل الجبهة مع الحكومة الإريترية، رغم اتهامها لها بـ”احتلال أراضٍ من الإقليم”، مشيراً إلى أن هذه الخطوات تمثل “انتهاكاً للسيادة”، وتسهم في تعقيد الوضع الإنساني داخل الإقليم.
ومن جهتها، هددت “جبهة تحرير تيجراي” بعدم الاعتراف بقرار المجلس الانتخابي، مشيرة إلى أن أي محاولات لإقصائها قد تدفعها إلى الانسحاب من اتفاق السلام، وقال أمانويل أسيفا، نائب الإدارة المؤقتة في تيجراي، إن “ما يربطهم بالحكومة الفيدرالية هو الاتفاق، وليس قرارات المجلس”.
وفي السياق نفسه، وجّه “حزب استقلال تيجراي” انتقادات للجبهة، متهماً إياها بالتواصل مع الحكومة الإريترية، رغم تحالف الأخيرة مع الحكومة الفيدرالية خلال الحرب، وقال رئيس الحزب دجيني مزغيبي إن هذا التواصل “لا يُبرر سياسياً”، ويُضعف موقف الجبهة أمام أديس أبابا.
ويرى محللون أن قرار شطب الجبهة من السجل السياسي يضع اتفاق بريتوريا أمام “مأزق مزدوج”، إذ أصبحت الجبهة بلا وضع قانوني، لكنها لا تزال طرفاً رئيسياً في الاتفاق، ما يخلق حالة من “الشرعية المجمدة” تعقّد تنفيذ بنود حساسة مثل العدالة الانتقالية ونزع السلاح.
وقال المحلل السياسي دانيال برهان إن هذا الوضع “الشاذ” قد يُستخدم لتجميد الاتفاق أو إعادة تفسيره، في ظل غياب ضغوط دولية فعالة.
واعتبر الباحث في قضايا القرن الإفريقي، زكريا إبراهيم، أن “التدهور السريع” في العلاقة بين الطرفين قد يدفع نحو مواجهة جديدة، مشيراً إلى أن “بقاء الوضع كما هو يعني استقراراً هشاً دون سلام فعلي”.
وحذر إبراهيم من أن استمرار الأزمة قد يُفجّر الإقليم في أي لحظة، متوقعاً تدخلاً دولياً للضغط على الطرفين من أجل التوصل إلى صيغة تفاهم جديدة، تعيد الجبهة إلى المشهد ضمن ترتيبات تضمن استمرارية اتفاق السلام.
روسيا وإثيوبيا تكثفان التعاون في الإصلاح البيئي