19 مارس 2025

احتلت تونس المرتبة 37 عالمياً في مؤشر التلوث لعام 2025، بمعدل 70.1، وفقاً لتقرير “نومبيو”، ويتسبب التلوث في خسائر اقتصادية وصحية فادحة، مع تدهور جودة الهواء والمياه وارتفاع الأمراض، بالتزامن مع إعلان الحكومة إصلاحات بيئية.

تونس تحتل المرتبة 37 عالمياً في مؤشر التلوث لعام 2025 وفقاً لتقرير موقع “نومبيو-Numbeo”، وهو قاعدة بيانات عالمية متخصصة في جمع وتحليل المعلومات.

التقرير الذي شمل 113 دولة، أظهر أن تونس حصلت على معدل تلوث بلغ 70.1، مما يعكس وضعاً بيئياً متدهوراً يفرض تحديات كبيرة على الدولة والمجتمع.

ويعتمد هذا التصنيف على عدة عوامل، أبرزها جودة الهواء، وإدارة النفايات، ومستويات التلوث المائي، والضوضائي، والبصري.

تشير التقارير البيئية إلى أن التلوث في تونس يساهم بشكل كبير في تدهور جودة الحياة وارتفاع معدلات الأمراض المرتبطة به، مثل أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والسرطان.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يتسبب تلوث الهواء في وفاة حوالي 6,000 شخص سنوياً في تونس، خاصة بسبب الجسيمات الدقيقة المنبعثة من المصانع وعوادم السيارات، والتي تتجاوز في بعض المناطق الحدود المسموح بها عالمياً.

كما تفاقم سوء إدارة النفايات المشكلة البيئية، حيث يتم إنتاج أكثر من 2.8 مليون طن من النفايات سنوياً، 90% منها يتم طمرها في مكبات عشوائية أو رسمية غير مستوفية للمعايير البيئية، ما يؤدي إلى تلوث التربة والمياه الجوفية.

أما على مستوى البحر، فإن 70% من الشواطئ التونسية تعاني من مستويات تلوث متفاوتة، وفقاً لدراسات وزارة البيئة، وهو ما يؤثر سلباً على قطاع السياحة، الذي يُعد أحد ركائز الاقتصاد الوطني.

ويترتب على التلوث خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة تؤثر على مختلف القطاعات، ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، تخسر تونس حوالي 2.7% من ناتجها المحلي الإجمالي سنوياً بسبب التلوث، أي ما يعادل 2.5 مليار دينار تونسي نتيجة التكاليف الصحية، وتدهور الإنتاجية، والأضرار البيئية التي تؤثر على القطاعات الحيوية مثل السياحة والزراعة والصيد البحري.

في قطاع الصحة، يُقدر أن العلاج المرتبط بالأمراض الناجمة عن التلوث يكلف الدولة حوالي 500 مليون دينار سنوياً، خاصة مع ارتفاع أعداد المصابين بالأمراض التنفسية والمزمنة الناجمة عن الهواء الملوث والمياه غير المعالجة.

أما في القطاع الفلاحي، أدى تلوث المياه والتربة إلى تراجع الإنتاج الفلاحي بنسبة 15% خلال السنوات العشر الأخيرة، نتيجة لاستخدام مياه ملوثة أو اختلاطها بالنفايات الصناعية.

وفي قطاع السياحة، تسبب تلوث الشواطئ والبحار في تراجع جاذبية الوجهات السياحية، خاصة في المناطق الساحلية الكبرى، مثل خليج تونس وصفاقس، حيث اشتكى العديد من السياح والمستثمرين من تدهور جودة البيئة البحرية.

وفي محاولة لمواجهة هذه الأزمة، أعلنت وزارة البيئة عن مجموعة من الخطط والإصلاحات التشريعية، وأكد وزير البيئة الحبيب عبيد أن الحكومة بصدد تنفيذ استراتيجية جديدة تهدف إلى تقليل إنتاج النفايات، خاصة عبر تفعيل إجراءات الحد من التلوث الناتج عن الأكياس البلاستيكية، التي تُقدر الكميات المستهلكة منها بحوالي 4.2 مليار كيس سنوياً، معظمها غير قابل للتحلل.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل الوزارة على تحسين إدارة النفايات عبر إدراج جامعي القمامة غير الرسميين (البرباشة)، البالغ عددهم حوالي 10,000 شخص، ضمن مؤسسات منظمة تُمكنهم من التغطية الاجتماعية وتحسين ظروف عملهم.

وأشار الوزير إلى إيقاف استيراد البلاستيك المعاد تدويره من الخارج، والتركيز على تدوير البلاستيك المحلي، مما يساهم في تقليل كميات النفايات المتراكمة وتعزيز الاقتصاد الدائري.

كما تعمل الوزارة على إدارة فضلات البناء التي تمثل 12 مليون طن على مستوى الجمهورية، عبر إطلاق مشاريع تثمين تشمل 9 ولايات، رغم التحديات التي تواجهها الوزارة بسبب رفض بعض المعتمديات استقبال هذه النفايات.

وأعلن وزير البيئة أن الوزارة انتهت من صياغة مشروع مجلة البيئة، التي تضم 353 فصلاً، وهي بصدد تحديد ما إذا كان سيتم سن مجلة بيئية جديدة أو تعديل القوانين القديمة.

وتهدف هذه الإصلاحات إلى تبسيط إجراءات التراخيص البيئية، حيث كشف الوزير أن القانون الحالي يُعيق حتى المشاريع الصغيرة، مثل محلات الخياطة، التي يُطلب منها تقديم دراسة حول تأثيرها على المحيط.

كما تشمل الإصلاحات مراجعة القوانين الخاصة بالمناطق الصناعية، خاصة فيما يتعلق بالمصانع الغذائية التي تُقام في مناطق فلاحية ولا تحصل على تراخيص لمعالجة نفاياتها.

ورغم هذه الخطط، تواجه تونس تحديات كبيرة في تنفيذ الإصلاحات البيئية، أبرزها نقص الموارد المالية، وضعف آليات المراقبة، وغياب التنسيق بين مختلف المتدخلين. فعلى سبيل المثال، لا تزال نسبة إعادة التدوير لا تتجاوز 7% من إجمالي النفايات، رغم التصريحات الحكومية حول دعم الاقتصاد الدائري.

كما تعاني البلديات من نقص المعدات والموارد البشرية، ما يؤدي إلى ضعف القدرة على تطبيق القوانين البيئية بصرامة.

من جهة أخرى، فإن المجتمع المدني يلعب دوراً هامشياً في التأثير على القرارات البيئية، حيث لا تزال مشاركة الجمعيات والمنظمات البيئية في صياغة السياسات ضعيفة، رغم الدور الذي يمكن أن تلعبه في الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد المخالفين البيئيين.

وتحتل تونس مرتبة متقدمة نسبيًا في مؤشر التلوث العالمي، ما يعكس واقعاً بيئياً مقلقاً يتطلب استراتيجيات مستدامة وحلولاً جذرية.

وعلى الرغم من الجهود الحكومية المعلنة، فإن نجاح هذه السياسات يبقى رهين فاعلية التنفيذ، ومدى قدرة الدولة على تعزيز الرقابة، وتوفير التمويل اللازم، وإشراك مختلف الأطراف في مكافحة التلوث.

انتشال 13 جثة لمهاجرين قبالة سواحل تونس

اقرأ المزيد