اعتقال وزير الدولة للشؤون التشريعية في “حكومة الاستقرار الوطني”، محمد سليمان بوزقية، في مصراتة، شكل تصعيداً في المشهد الليبي الهش، وأكد الشكوك في نوايا حكومة الدبيبة منتهية الولاية بشان تحقيق الاستقرار في ليبيا.
يؤكد هذا الحادث على التحديات الأمنية المستمرة في غرب ليبيا، فهو جاء بشكل استفزازي في وقت تحاول البلاد تعزيز مبادرات السلام والوحدة، حيث زاد من الانقسام بين الشرق والغرب، وهذه الخطوة جاءت لعرقلة جهود التوحيد وتأخير الانتخابات الوطنية، ما يخدم في نهاية المطاف مصالح الفصائل غير الراغبة في التخلي عن السلطة.
الاعتقال: مناورة سياسية أم مبرر قانوني؟
التقارير الرسمية تتحدث عن أن الوزير بوزكية كان في زيارة شخصية لعائلته في مصراتة عندما اعترضته “القوة المشتركة”، وهي مجموعة عسكرية متحالفة مع حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، وأدانت الحكومة الليبية بقيادة رئيس الوزراء أسامة حماد الاعتقال، واعتبرته عملا لا يعتمد على إجراءات قانونية واضحة أو اتهامات رسمية، ووصفته بـ”عمل غير قانوني” ينتهك الحريات الفردية ويعطل النسيج الاجتماعي الهش في البلاد، ودعت إلى الإفراج الفوري عن الوزير بوزقية، مؤكدة على أهمية فصل النزاعات السياسية عن الحريات الفردية، كما حذرت من أن مثل هذه الإجراءات تؤدي إلى مزيد من زعزعة استقرار البلاد.
على الجانب الآخر فإن مصادر مقربة من القوة المشتركة تحدثت أن الاعتقال جاء بناءً على مذكرة اعتقال قديمة ضد بوزكية، لكن التوجه السياسي العام في ليبيا رأى أن توقيت الاعتقال وتنفيذه يثيران مخاوف كبيرة، فهو تم خلال العطلة القضائية، وجعل التحرك القانوني السريع للإفراج عنه أمرا مستحيلا، وهذا الشكل من الاعتقال يشير إلى استراتيجية سياسية متعمدة وليس إجراءً روتينيا لتنفيذ القانون.
ويسلط الحادث الضوء على الصراع المستمر بين الأطراف الليبية في ليبيا منذ أن رفض الدبيبة نقل السلطة على الرغم من انتهاء ولاية حكومته ما أدى إلى تفاقم التوترات، فاعتقال بوزيكة ظهر داخل الأوساط السياسية الليبية على أنه محاولة لتعزيز السيطرة على غرب ليبيا من خلال ترهيب المعارضين السياسيين.
تداعيات أوسع: خطوة مدروسة لتأخير الانتخابات؟
اعتقال بوزكية ليس حدثا معزولا بل هو جزء من استراتيجية أوسع نطاقا من جانب الدبيبة والميليشيات المتحالفة معه لتأخير الانتخابات الوطنية، فمن خلال استهداف مسؤول رفيع المستوى من الحكومة المنبثقة عن البرلمان الليبي، فإن حكومة طرابلس توجه رسالة مفادها أنها لن تتسامح مع تحرك شخصيات المعارضة بحرية عبر الأراضي الخاضعة لسيطرتها.
عمليا فإن الاعتقال جاء في وقت يعمل فيه الوسطاء الدوليون على تحقيق عملية مصالحة وطنية شاملة، وقدم وبشكل فج توجها سياسيا لحكومة الدبيبة تجاه كافة المبادرات لأنه في العمق يسعى لخلق توتر يهدد بعرقلة المفاوضات ويدفع ليبيا إلى مزيد من عدم الاستقرار، ومن خلال هذا التصعيد فإن الأطراف السياسية ستجد نفسها أمام انقسام أشد، فالاعتقال هو خطوة تسعى لإثارة أعمال انتقامية، ما يزيد من تفتيت البلاد.
من جانب آخر يثير الاعتقال أيضا تساؤلات مقلقة حول سيادة القانون والأمن في غرب ليبيا، وتشير قدرة القوة المشتركة على تنفيذ مثل هذه العملية دون إشراف قضائي واضح إلى النفوذ المتزايد للميليشيات التي تعمل خارج سيطرة الدولة، وعلى الرغم من ادعاءات حكومة الوحدة الوطنية بالسلطة، لا تزال غرب ليبيا تعاني من الجماعات المسلحة التي تعمل غالبا لتحقيق مصالحها الخاصة بدلا من خدمة الاستقرار الوطني.
وبالنسبة للعديد من الليبيين، فإن الحادث هو مثال آخر على انعدام القانون، وعلى تغليب الدوافع السياسية على المبادئ القانونية، كما أنه يغذي المخاوف من أن الاعتقالات المماثلة أصبحت قاعدة، مما يدفع لعدم المشاركة السياسية ويعزز مناخ الخوف.
ردود الفعل الدولية والدبلوماسية
لم يصدر عن المجتمع الدولي أي رد قوي على الاعتقال، لكن القنوات الدبلوماسية تعمل خلف الكواليس لتهدئة الموقف، وتواصل بعض الجهات الفاعلة الدولية دعم حكومة الدبيبة لأسباب استراتيجية، لكن اعتقال وزير حكومي دون اتباع الإجراءات القانونية وضعها في موقف محرج، على الأخص أن منظمات حقوق الإنسان أدانت الاعتقال، مؤكدة على أن الاضطرابات السياسية في ليبيا لا ينبغي أن تؤدي إلى تآكل الحريات المدنية الأساسية، وداخليا تتزايد الدعوات لإجراء تحقيق مستقل في الظروف المحيطة باعتقال بوزقية، مع المطالبة بالشفافية في الإجراءات القانونية والسياسية.
عمليا فإن اعتقال الوزير بوزقيه لا يمثل مجرد نزاع قانوني فحسب، بل إنه يمثل نموذجا مصغرا للتحديات السياسية والأمنية الأوسع نطاقا التي تواجهها ليبيا، فالحادث يشكل تصعيدا للتوترات السياسية والعسكرية، فإذا اعتبرت حكومة أسامة حماد هذا التصرف هجوما مباشرا عليها فإن احتمال التصعيد في ليبيا سيذهب إلى أبعد الحدود، في المقابل يشير الاعتقال إلى أن القمع السياسي لا يزال أداة لحكومة الدبيبة، ما يقلل من احتمالية أن تشهد ليبيا انتخابات حرة ونزيهة في المستقبل القريب.
على المستوى الشعبي يشعر العديد من الليبيين بخيبة الأمل في العملية السياسية، والاعتقالات التعسفية لشخصيات بارزة تؤدي إلى تعزيز التصور بأن البلاد رهينة لأمراء الحرب والسياسيين المتعطشين للسلطة، فاعتقال بوزقية في مصراتة هو تذكير صارخ بالحالة السياسية الهشة في ليبيا والمعركة الجارية من أجل الهيمنة من قبل حكومة الدبيبة، وفي حين يستشهد التبرير الرسمي بأمر اعتقال قديم، فإن الظروف تشير بقوة إلى أنه جاء بدوافع سياسية بهدف تعزيز السلطة وإضعاف أصوات المعارضة.
إن الحاجة إلى المصالحة الوطنية الحقيقية والإصلاح المؤسسي ومساءلة قطاع الأمن أصبحت اليوم شرطا للاستقرار الليبي، ومن المفترض إعطاء الأولوية للوحدة على الانقسام واحترام سيادة القانون على المصلحة السياسية، وإلا فإن ليبيا تخاطر بالبقاء محاصرة في حلقة من عدم الاستقرار التي لا يستفيد منها سوى أولئك الذين يزدهرون في الفوضى.
بقلم مازن بلال
ليبيا تسعى لإدراج أطباق تقليدية ضمن التراث العالمي (صور)