تشهد العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من الولايات الأخرى موجة تفشي خطيرة لوباء الكوليرا، في وقت تعيش فيه البلاد انهيارا شبه تام في المنظومة الصحية، وسط نقص حاد في المياه النقية والمحاليل الوريدية، وترد بيئي متسارع نتيجة الحرب المستمرة.
وأعلنت وزارة الصحة الاتحادية تسجيل 2323 إصابة مؤكدة و51 حالة وفاة بالكوليرا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، غير أن مصادر طبية شددت على أن الأرقام الحقيقية تفوق ذلك بكثير، في ظل الارتفاع الكبير في الحالات خلال الأيام الأخيرة، لا سيما في الخرطوم وأم درمان.
وأوضح عضو مكتب الإعلام في نقابة أطباء السودان، راشد بدر، أن تفشي الكوليرا جاء ليعمّق من الأزمة الصحية المتفاقمة أصلا، حيث تعاني المستشفيات القليلة العاملة من نقص حاد في المستلزمات الطبية، وتواجه ارتفاعا غير مسبوق في حالات سوء التغذية بين الأطفال، إلى جانب الإصابات الناتجة عن النزاع المسلح المستمر.
ويشير تقرير لوزارة الصحة إلى أن أكثر من 90% من الإصابات والوفيات المسجلة حاليًا تتركز في ولاية الخرطوم، خاصة في المناطق الجنوبية منها، وفي أحياء مدينة أم درمان التي تحولت إلى بؤرة ساخنة للوباء خلال الأيام الأخيرة.
وفي السياق ذاته، قال عبد الرحمن الأغبش، وهو طبيب يعمل بمركز صحي في جنوب الخرطوم، إن الأوضاع هناك خرجت عن السيطرة، مشيرا إلى تزايد الحالات بشكل يومي. أما إبراهيم مقداد، الناشط في مجال الإغاثة بأم درمان، فحذر من أن “الخطر يقترب من نقطة الانفجار، وإذا لم يتحرك المجتمع المحلي والدولي فورا، فإن الكارثة الصحية ستكون واسعة النطاق”.
وفي ولاية الجزيرة وسط البلاد، تسبب تفشي الكوليرا في إغلاق مدارس وأسواق بمدينة الحاج عبدالله، حيث سجل المستشفى الرئيسي في المدينة 46 إصابة و6 وفيات خلال أقل من أسبوع، وفق ما أكده الطبيب التاج عبد الرحمن.
يعزو مختصون تفاقم الوضع إلى تلوث مياه الشرب، وغياب أنظمة الصرف الصحي، إضافة إلى التدهور البيئي الكبير الناتج عن تحلل الجثث وتراكم النفايات.
ووفقا لعبد الماجد مردس، خبير الصحة العامة في وزارة الصحة السودانية وعضو الجمعية الملكية البريطانية لتعزيز الصحة، فإن الاعتماد المتزايد على مياه غير معالجة أو مأخوذة مباشرة من النيل بات أحد أخطر مسببات تفشي الكوليرا.
وأشار مردس إلى أن دفن الجثامين في أماكن غير مخصصة، وغياب خدمات التخلص من النفايات في مناطق النزاع، تسببا في بيئة خصبة لانتشار الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا، والملاريا، وحمى الضنك.
ومع انقطاع الكهرباء والمياه في أكثر من 80% من مناطق السودان، يضطر السكان إلى شراء مياه من مصادر عشوائية وغير آمنة، ما يزيد من احتمالات الإصابة بالأمراض الوبائية.
يشهد الوضع الصحي في السودان انهيارا غير مسبوق، حيث خرجت قرابة 70% من المستشفيات عن الخدمة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، وهو ما يعقّد جهود احتواء الأوبئة ويضع حياة الملايين على المحك.
السودان.. بيان مشترك يدعو إلى مشاركة المرأة في تحقيق السلام