24 يونيو 2025

قوات الدعم السريع حوّلت مجريات الصراع في السودان إلى مرحلة جديدة من المواجهة الجوية، عبر تنفيذ سلسلة هجمات دقيقة باستخدام طائرات مسيّرة استهدفت مواقع حيوية في بورتسودان وكوستي والخرطوم ومروي.

ويشير تصعيد العمليات الجوية إلى تحول نوعي قد يُطيل أمد الحرب لسنوات، ويعكس سعي الدعم السريع إلى فرض واقع جديد عبر السيطرة على المجال الجوي وتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في مواجهة الجيش السوداني والسلطة الحاكمة في بورتسودان.

ويرى مراقبون أن الطائرات المسيّرة باتت تمثل ورقة ضغط أساسية في يد قوات الدعم السريع، حيث تُفسَّر الهجمات الأخيرة على أنها رسالة موجهة لرئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، للقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وفي المقابل، يعتبر خبراء الطيران العسكري هذا التحول تهديداً استراتيجياً يتطلب تعاملاً جاداً، نظراً للأضرار البالغة التي قد تخلّفها هذه العمليات على البنية التحتية الوطنية، وعلى قدرة الجيش في إدارة الحرب.

وفي هذا السياق، نقلت وسائل إعلام محلية عن دبلوماسي غربي قوله إن “الطرف الذي يعتقد أنه منتصر غالباً ما يفتقر إلى الحافز للتفاوض أو تقديم تنازلات”، إلا أنه أشار إلى أن “نبرة قادة الجيش والدعم السريع قد تغيّرت مؤخراً، حيث يرى كل طرف أنه بات يمتلك زمام المبادرة عقب تحقيقه لانتصارات ميدانية”.

وشدد الدبلوماسي على أن انتقال الصراع إلى الفضاء الجوي يمثل “تحولاً بالغ التعقيد”، خصوصاً مع تصاعد التدخلات الإقليمية والدولية في النزاع السوداني، ما يزيد من تشابك الحسابات السياسية والعسكرية في البلاد.

ومن جهته، كشف مصدر عسكري في قوات الدعم السريع عن تنفيذ 17 هجوماً على أهداف استراتيجية موزعة بين بورتسودان، أم درمان، كوستي، عطبرة، ومروي، مؤكداً أن قاعدة وادي سيدنا العسكرية كانت من بين المواقع التي استُهدفت خلال شهر مايو.

وفي نهاية مايو الماضي، استعاد الجيش السوداني السيطرة على مدينة الصالحة جنوب أم درمان، واستولى خلالها على أسلحة حديثة، من بينها طائرات مسيّرة متعددة الأنواع وأجهزة تشويش متطورة.

وفي السياق ذاته، أوضح العميد المتقاعد في سلاح الجو السوداني، والخبير العسكري عادل عبد اللطيف، أن المسيّرات التي استخدمت في الهجمات الأخيرة تنتمي إلى فئة “MALE” (متوسطة الارتفاع وطويلة التحمل)، وهي قادرة على التحليق على ارتفاعات تصل إلى 30 ألف قدم، والبقاء في الجو لنحو 30 ساعة متواصلة، ما يمنحها القدرة على تنفيذ مهام استخباراتية، مراقبة، استطلاع، إضافة إلى تنفيذ ضربات قتالية دقيقة.

وأفادت تقديرات حكومية بأن قوات الدعم السريع استخدمت في هجماتها الأخيرة طائرات مسيّرة صينية متقدمة من طراز “FH-95″، وهي مسيّرات متعددة المهام وذات قدرات استراتيجية.

وحذر عبد اللطيف من أن سلاح الجو السوداني فقد احتكاره للمجال الجوي في البلاد، بعد أن تمكنت قوات الدعم السريع من كسر سيطرته، ما أضعف قدرة الجيش على تأمين الأجواء وتنفيذ عملياته الجوية بشكل فعال.

وأشار إلى أن استخدام الجيش السوداني للطائرات المسيّرة ما زال في إطاره التكتيكي المحدود، حيث تُوظّف لدعم التشكيلات العسكرية ميدانياً وتقديم الإسناد الناري، إلى جانب تنفيذ ضربات استراتيجية محددة مثل تلك التي استهدفت مطار نيالا مؤخراً.

وفي المقابل، تنفذ قوات الدعم السريع ضربات جوية استراتيجية تستهدف منشآت عسكرية، سدوداً، مطارات، محطات كهرباء ومستودعات وقود، وهو ما وصفه عبد اللطيف بأنه “ضرب مباشر لقدرات الجيش اللوجستية وتمويله للحرب، وإضعاف مستمر لطاقته القتالية”.

ورأى الخبير العسكري أن تحقيق نصر حاسم لأي من الطرفين يبدو مستبعداً في المدى المنظور، بالنظر إلى صعوبة تعويض الخسائر البشرية والمادية، خاصة في سلاح الجو، الذي يتطلب تجهيز أطقم متخصصة ومعدات باهظة الكلفة وتدريباً طويلاً لاستعادته إلى كامل جاهزيته.

وسط هذه المعطيات، يبدو أن الحرب في السودان دخلت طوراً أكثر خطورة وتعقيداً، ما يعمّق الأزمة الوطنية ويفرض تحديات كبرى على فرص الحل السياسي واستقرار البلاد.

الأمم المتحدة تعلق المساعدات الجوية إلى السودان بعد استهداف مطار بورتسودان

اقرأ المزيد